الهواء كأنها عصافير وعاد كل من صدمه حجر منه قتله فكل منهم جزع وقد ثار عدو الله هجام وجويرثة وقد تزيد بهم الخوف وصاحوا الا صبر لنا على هذا فقال هجام وحق المنيع ان دام علينا هذا الفعال ملكنا عن آخرنا ولقد كنا نرجزا الملك الهضام ان يرسل لنا أحد قومه ويسير إلينا بجيوشه فينصرنا على عدونا ولقد غلبنا وان غاب بقية يومنا هذا وليلتنا لأهلكنا علي بن أبي طالب ويملك حصننا بعد أن يقتلنا ولم يزل الامام يرمي عليهم بقية يومه فقتل منهم خلقا كثيرا فلما ولى النهار وقبل الليل وانسدل الظلام رجع الامام بمن إلى أماكنهم وتركوا المنجنيق على حالته (قال الراوي) فالتفت إلى أصحابه وقال يا قوم هذه الليلة حرس ثم إن الامام دعا بناقد وجنبل والرغداء وخالد بن الريان ووهم الحرس بالقوم وأوصاهم بمداومة السهر فقالوا السمع والطاعة يا أمير المؤمنين ثم قالوا يا أبا الحسن لو أنك اخذت معك من قومك ولو مائة رجل لطارق يطرق أو مائك يعيق فافي الحصن حيات تلسع وعقارب تلدغ فقال له يا ناقد ان لنا رب يعيننا على تلك العقارب والحيات الأراقم ونهلك بمشيئة الله كل كافر ونحن فينا الكفاية ثم ودع القوم وسار إلى أن وصل إلى المنجنيق فوقف بإزائه وهو مستقبل القبلة ولم يزل يصلي ويتضرع إلى الله سبحانه وتعالى إلى أن مضى من الليل أكثره والناس في طيب هجعتهم ولذة رقادهم فبينما الامام في صلاته إذ سمع صرير الباب وفتح الأقفال فلصق الامام بطنه على الأرض وتحقق النظر إلى باب الحصن فرآه فتح وإذا هو بالرجال قد خرجوا منه بعضهم وراء بعض وجعل الامام يعدهم واحد بعد واحد حتى انتهى إلى مائتي رجل وقد كان عدو الله هجام قد تشاور في تلك الليلة على قطع المنجنيق وقطع حالة مشابة وقطع البستان حتى لا يبق فيه شجرة ولا نخل وهجام وجويرثة مع كل واحد منهم مائتي رجل من صناديد القوم وشجعانهم فلما خرجوا من باب الحصن أمروا من بقي من قومهم ان يغلقوا باب الحصن من ورائهم ثم أقبلوا يمشون وقد احفتوا حسهم وحركتهم ولم يزالوا كذلك إلى أن وصلوا المنجنيق والامام مراقب لهم وقد امتشق سيفه من جفيره وقبض عليه بيده وعلى جحفته وهو لاصق ببطنه علي الأرض ولم يداخله هلع
(٩٠)