ولا جزع وهجام وجويرثة في أوائل القوم فسمع جويرثة يقول وحق المنيع يا هجام انا لا نأمل علي بن أبي طالب ان يعلم بمكاننا فلا بد ان يأتينا ويصل بشره إلينا ثم انه امر طائفة ان يسيروا إلى البستان فيحرقوه بالنار فتوجه جماعة من القوم إليه وتقدم الباقون إلى المنجنيق جويرثة وهجام يقول وحق المنيع لا قصدن علي ابن أبي طالب أينما هو نازل ولآخذنه أسيرا ذليلا ولآتين به وأوصله إلى الملك الهشام والمنيع يفعل فيه ما يشاء ويختار كل هذا والامام يسمعه وهو صامت ولم يرد عليهما جوابه وهو صابر لاحكام الله تعالى ولم يزالوا كذلك إلى أن وصلوا المنجنيق وهموا ان يقلدوه فعند ذلك وثب لهم الامام قائما على قدميه وصرخ عليهم صرخته المعروفة بين القبائل بالغضب فدوي منها الوادي وقال لهم إلى أين يا أولاد اللئام فذهل القوم واندهشوا وبهتوا ولم يجدوا مفرا مما نزل بهم فبادرهم الامام رضي الله عنه بذي الفقار وجعل يضرب يمينا وشمالا ولم يزل الامام يقتل فيهم إلى أن ولوا منهزمين على وجوههم هاربين والى حصنهم طالبين واما جويرثة فإنه شخص ولم ينتقل من مكانه ولم يتحرك من موضعه من شدة ما اصابه واما هجام فإنه لما عاين ذلك قلب جواده وعطف ركض إلى جهة الحصن وصرخ بمن فيه افتحوا ففتحوا له وقتلهم فدخل الباب من خلفه وقد جرى الامام وراء من كان معه من القوم وقتلهم جميعا خارجا عن الحصن وكانت عدة القوم مائتي رجل فلم يدخل الحصن غير أربعة وسبعين رجلا وقتل الباقون وقد كانوا دخلوا قبل هجام (قال الراوي) واما الامام فإنه لما فرغ من قتل بقية القوم عند باب الحصن ورجع إلى المنجنيق وجد جويرثة واقفا وقد أمسك الله جوارحه فلم يستطع ان يتحرك بحركة فأعلن الامام بدعائه ليسمع قومه لما علم أنهم مطاولون إليه فنادى يا معشر الناس لا يضرتكم القلق ولا يداخلكم الأرق فاني بعون الله سالم وبنصره غانم فاني قاتلت قتالا لا أرجو به الا رضا الجبار ودمار الكبار فاستبشر الناس بقوله وفرحوا بكلامه وعاد الامام رضي الله عنه إلى صلاته وخشيته لمولاه وجويرثة باهت يراه ويسمع قراءته ونداه وينظر إلى ركوعه وسجوده وتفرعه وتعفير وجهه من التراب ولم يزل الامام كذلك إلى برق الفجر فاذن الامام في ذلك
(٩١)