الله عز وجل لمحمد صلى الله عليه وسلم دينه، وأقام (1) حجته وبراهينه.
والمقصود أن موسى عليه السلام لما استكمل الميقات، وكان فيه صائما يقال إنه لم يستطعم الطعام، فلما كمل الشهر أخذ لحاء شجرة فمضغه ليطيب ريح فمه، فأمره الله أن يمسك عشرا أخرى، فصارت أربعين ليلة.
ولهذا ثبت في الحديث: أن خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك.
فلما عزم على الذهاب استخلف على شعب بني إسرائيل أخاه هارون، المحبب المبجل الجليل. وهو ابن أمه وأبيه، ووزيره في الدعوة إلى مصطفيه، فوصاه، وأمره وليس في هذا لعلو منزلته في نبوته منافاة.
قال الله تعالى: " ولما جاء موسى لميقاتنا " أي في الوقت الذي أمر بالمجئ فيه " وكلمه ربه " أي كلمه الله من وراء حجاب، إلا أنه أسمعه الخطاب، فناداه وناجاه، وقربه وأدناه. وهذا مقام رفيع ومعقل منيع، ومنصب شريف ومنزل منيف، فصلوات الله عليه تترى، وسلامه عليه في الدنيا والاخرى.
ولما أعطى هذه المنزلة العلية والمرتبة السنية، وسمع الخطاب، سأل رفع الحجاب، فقال للعظيم الذي لا تدركه الابصار القوى البرهان:
" رب أرني أنظر إليك قال لن تراني " ثم بين تعالى أنه لا يستطيع أن يثبت عند تجليه تبارك وتعالى، لان الجبل الذي هو أقوى وأكبر ذاتا وأشد ثباتا من الانسان، لا يثبت عند التجلي من الرحمن، ولهذا قال: " ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني " وفي الكتب المتقدمة: أن الله تعالى قال له: " يا موسى إنه لا يراني حي إلا مات، ولا يابس إلا تدهده (2) ".