ضره أجله ولم ينفعه عمله، ولو عاش أحدكم ألف عام كان الموت بالغه ونحبه لاحقه، فلا تغرنكم الأماني ولا يغرنكم بالله الغرور، قد كان قبلكم لهذه الدنيا سكان شيدوا فيها البنيان ووطنوا الأوطان، أصبحت أبدانهم في قبورهم هامدة وأنفسهم خامدة، فتلهف المفرط منهم على ما فرط يقول: يا ليتني نظرت لنفسي، يا ليتني كنت أطعت ربي (1).
وقال (عليه السلام): إن الدنيا ليست بدار قرار ولا محل إقامة، إنما أنتم فيها كركب عرسوا وارتاحوا (2) ثم استقلوا فغدوا وراحوا، دخلوها خفافا وارتحلوا منها ثقالا، فلم يجدوا عن مضحى عنها نزولا (3) ولا إلى ما تركوا بها رجوعا، جد بهم فجدوا وركنوا إلى الدنيا فما استعدوا، حتى أخذوا بكظمهم، وخلصوا إلى دار قوم لم يبق من أكثرهم خبر ولا أثر قل في الدنيا لبثهم وعجل بهم إلى الآخرة بعثهم وأصبحتم حلولا في ديارهم وظاعنين على آثارهم والمنايا تسير سيرا ما فيه أين ولا بطء، نهاركم بأنفسكم دؤوب وليلكم بأرواحكم ذهوب وأنتم تقتفون من حالهم حالا وتحتذون من أفعالهم مثالا، فلا تغرنكم الحياة الدنيا فإنما أنتم فيها سفر حلول والموت بكم نزول فتتصل فيكم مناياه وتمضي بكم مطاياه إلى دار الثواب والعقاب والجزاء والحساب، فرحم الله من راقب ربه وخاف ذنبه وجانب هواه