وقال (عليه السلام): مثل الدنيا مثل الحية، لين مسها قاتل سمها فاعرض عما يعجبك فيها لقلة ما يصحبك منها وكن آنس ما تكون إليها أوحش ما تكون منها، فإن صاحبها كلما اطمأن منها إلى سرور أشخصته (إلى مكروه) (1) فقد يسر المرء بما لم يكن ليفوته، ويحزن لفوات ما لم يكن ليصيبه أبدا وإن جهد، فليكن سرورك بما قدمت من عمل أو قول وليكن أسفك على ما فرطت فيه من ذلك ولا تكن على ما فاتك من الدنيا حزينا وما صابك منها فلا تنعم به سرورا واجعل همك لما بعد الموت، فإنما توعدون لات (2).
وقال (عليه السلام): انظروا إلى الدنيا نظر الزاهدين فيها، فإنها عن قليل تزيل الساكن وتفجع المترف، فلا يغرنكم كثرة ما يعجبكم فيها لقلة ما يصحبكم منها، فرحم الله امرءا تفكر واعتبر وأبصر أدبار ما قد أدبر وحضور ما قد حضر، فكان ما هو كائن من الدنيا عن قليل لم يكن وما هو كائن من الآخرة لم يزل، اي والله عن قليل تشقي المترف وتحرك الساكن وتزيل الثاوي، صفوها مشوب بالكدرة وسرورها منسوج بالحزن وآخر حياتها مقترن بالضعف فلا يعجبنكم ما يغرنكم منها، فعن كثب تنقلون عنها وكلما هو آت قريب، وهنالك تبلوا كل نفس ما أسلفت وردوا إلى الله مولاهم الحق، وضل عنهم ما كانوا يفترون (3).