مطالب السؤول في مناقب آل الرسول (ع) - محمد بن طلحة الشافعي - الصفحة ٢٦٠
وقال (عليه السلام): أحذركم الدنيا فإنها ليست بدار غبطة، قد تزينت بغرورها وغرت بزينتها لمن كان ينظر إليها فاعرفوها كنه معرفتها، فإنها دار هانت على ربها، قد اختلط حلالها بحرامها وحلوها بمرها وخيرها بشرها ولم يذكر الله تعالى شيئا اختصه منها لأحد من أوليائه ولا أنبيائه ولم يصرفها عن أعدائه، فخيرها زهيد وشرها عتيد وجمعها نفيد وملكها سليب وعزها يبيد، فالمستمعون بالدنيا تبكي قلوبهم وإن فرحوا يشتد مقتهم لأنفسهم وإن اغتبطوا ببعض ما منها رزقوا، الدنيا فانية لا بقاء لها والآخرة باقية لا فناء لها، الدنيا مقبلة إلى الآخرة والآخرة ملجأ الدنيا وليس للآخرة منتقل ولا منتهى، من كانت الدنيا همه اشتد لذلك غمه ومن آثر الدنيا على الآخرة حلت به الفاقرة (1).
وقال (عليه السلام): إنما الدنيا دار فناء وعناء وغيرة وعبر، فمن فنائها انك ترى الدهر موترا قوسه مفوقا نبله يرمي الصحيح بالسقم والحي بالموت والبرئ بالتهم، ومن عنائها أنك ترى المرء يجمع ما لا يأكل ويبني ما لا يسكن ويأمل ما لا يدرك، ومن عبرها أنك ترى المرحوم مغبوطا، والمغبوط مرحوما ليس بينهم إلا نعيم زال أو مثلة حلت أو موت نزل، ومن عبرها أن المرء يسوف عليه أمله حتى يختطفه دونه أجله (2).
وقال (عليه السلام): اجعل الدنيا شوكا وانظر أين تضع قدمك منها، فإن من ركن إليها خذلته، ومن آنس بها أوحشته، ومن رغب فيها أوهنته، ومن انقطع إليها قتلته، ومن طلبها أرهقته، ومن فرح بها أترحته، ومن طمع فيها صرعته، ومن قدمها أخرته، ومن أكرمها أهانته، ومن آثرها باعدته من الآخرة، ومن بعد من الآخرة

(٢٦٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 255 256 257 258 259 260 261 262 263 264 265 ... » »»