من أهل الإسكندرية، وأمه عجوز من عجائزهم، ليس لها ولد غيره يقال له: اسكندروس، وكان له أدب وخلق وعفة من وقت صباه إلى أن بلغ رجلا، وكان رأى في المنام انه دنى من الشمس فاخذ بقرنها في شرقها وغربها فلما قص رؤياه على قومه سموه ذا القرنين، فلما رأى هذه الرؤية بعدت همته وعلا صوته وعز في قومه.
فكان أول ما اجتمع عليه امره ان قال: أسلمت لله عز وجل، ثم دعا قومه إلى الاسلام، فأسلموا هيبة له، وانطلق ذو القرنين حتى أمعن في البلاد يؤم المغرب حتى انتهى إلى الجبل الذي هو محيط بالأرض: فإذا هو بملك قابض على الجبل، وهو يقول: " سبحان ربي من أول الدنيا إلى آخرها، سبحان ربي من موضع كفى إلى عرش ربي، سبحان ربي من منتهى الظلمة إلى النور "، فلما سمع ذلك ذو القرنين خر ساجدا، فلما رفع رأسه قال له الملك: كيف قويت يا بن آدم على مبلغ هذا الموضع؟ ولم يبلغه أحد من ولد آدم قبلك قال: قواني الله على ذلك.
فقال الملك: إني موكل بهذا الجبل، ولولا هذا الجبل لانكفأت الأرض باهلها، رأس هذا الجبل ملتصق بسماء الدنيا، وأسفله في الأرض السابعة السفلى، وهو محيط بها كالحلقة، و ليس على وجه الأرض مدينه الا ولها عرق إلى هذا الجبل، فإذا أراد الله تعالى ان يزلزل مدينه أوحى إلى فحركت العرق الذي إليها.
فلما أراد ذو القرنين الرجوع قال: للملك أوصني قال: لا يهمنك رزق غد، ولا تؤخر عمل اليوم لغد، ولا تحزن على ما فاتك، وعليك بالرفق، ولا تكن جبارا متكبرا.
ثم إن ذا القرنين عطف على أصحابه، ثم عطف بهم نحو المشرق يستقري ما بينه وبين المشرق من الأمم، فيفعل بهم مثل ما فعل بأمم المغرب من العدل، فبينما هو يسير إذ وقع على الأمة المحاكمة من قوم موسى صلوات الله عليه الذين يهدون بالحق وبه يعدلون، فوجد أمه عادله فقال لهم: أخبروني إني درت الدنيا فلم أر مثلكم ما بال قبور موتاكم على أبواب بيوتكم؟
قالوا: لئلا ننسى الموت ولا يخرج ذكره من قلوبنا قال: فما بال بيوتكم ليس عليها أبواب؟
قالوا: ليس فينا متهم ولا ظنين ولا لص، وليس فينا الا امين.