رجال تركوا بصمات على قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٦٣
لمسلم أن يروي حديثا لم يسمع به في عهد أبي بكر وعمر) (1).
وكان معاوية بن أبي سفيان أكثر وضوحا من الذين سبقوه، حيث أصدر مرسوما وجه منه نسخة إلى كل عماله أن: برئت الذمة ممن يروي شيئا بفضل أبي تراب وأهل بيته!!.
فغاية الجميع واحدة وهي منع رواية وكتابة أحاديث الرسول كلها، حتى لا يروي الناس شيئا من فضل علي وأهل بيت النبوة (ع)، وقدر معاوية أنه لم يعد هنالك ما برر هذه التورية فدخل بالموضوع مباشرة، وحصر المنع بما يعطي حقا أو فضائل لعلي وأهل بيت النبوة (ع).
التطبيق العملي للشائعة.
لقد كان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يقسم المال بين الناس بالسوية، لافضل في ذلك لمهاجري على أنصاري، ولا لعربي على عجمي، ولا لصريح على موال: لأن حاجات أبناء البشر الأساسية متشابهة، وتلك أمور تدرك بالعقل وبالفطرة السليمة، فجميع أبناء البشر يأكلون ويشربون وينامون ويتزاوجون. ثم أن الرسول لا ينطق عن الهوى، فهو يتبع ما يوحى إليه من ربه، فأمر بهذه الخطورة يتلقى فيه التوجيه الإلهي، وطوال عهده الشريف وهو يقسم بين المسلمين بالسوية: لا يفضل أحدا على أحد، حتى أصبح عمل الرسول هذا سنة فعلية، وجزءا من المنظومة الإلهية، على اعتبار أنها تشريع من أهم التشريعات المالية في الإسلام.
ولما تسلم عمر مقاليد الخلافة رأى أن سنة الرسول هذه ليست مناسبة: فلا يعقل أن تكون قريش كالأنصار!! ولا يعقل أن يكون العرب كالعجم، وأن يكون الصريح كالمولى!!، ومن هنا فقد فضل المهاجرين كلهم على الأنصار كلها، وفضل العرب على العجم، وفضل الصريح على المولى، وأعطى زوجات الرسول عطاء خاصا يفوق التصور والتصديق، وزائدا عن حاجة كل واحدة منهن!!! حتى أنه لم يساو بالعطاء بين زوجات الرسول نفسه!! فميز بينهن، وأعطى بعضهن أكثر من بعض.
وتصور عمر أن أسلوبه بتوزيع العطاء هو أفضل من أسلوب النبي (ص)، ومع الأيام اكتشف عمر أنه قد غرس في المجتمع المسلم بذور الطبقية، وأنه قد أوجد بعمله هذا الغنى الفاحش والفقر المدقع جنبا إلى جنب!! فطلحة والزبير وعثمان وابن عوف يملكون الملايين!! وعمار وبلال وعامة الناس يموتون جوعا!!!.
وبعد تسع سنين من تطبيق سنته الشخصية، اكتشف عمر أن رسول الله أهدى منه، وأن سنة رسول الله خير من سنته بعد أن شاهد بعضا الآثار المدمرة لسنته الشخصية ، التي وضعها بالقوة محل سنة الرسول (ص). وأعلن عزمه على الرجوع إلى سنة رسول الله!!
فقال: وإن عشت هذه السنة ساويت بين الناس، فلم أفضل أحمر على أسود، ولا عربيا على

1 - منتخب الكنز بهامش مسند الإمام أحمد 4 / 64.
(٦٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 58 59 60 61 62 63 64 65 66 67 68 ... » »»