رجال تركوا بصمات على قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٦٨
يجود بأنفاسه، فقال له: يا أمير المؤمنين استخلف على أمة محمد، فإنه لو جاءك راعى إبلك أو غنمك، وترك إبله أو غنمه لا راعي لها للمته، وقلت له:
كيف تركت أمانتك ضائعة؟ فكيف يا أمير المؤمنين بأمة محمد؟، فأجابه عمر: إن أدع فقد ودع من هو خير مني - يعني الرسول - وإن أستخلف فقد استخلف من هو خير مني - يعني أبا بكر - (1).
وروى ابن قتيبة: أن عمر لما أحس بالموت قال لابنه عبد الله: إذهب إلى عائشة واقرأها السلام، واستأذنها أن أقبر مع رسول الله ومع أبي بكر. فأتاها عبد الله، فأعلمها فقالت: حبا وكرامة، ثم قالت: يا بني أبلغ عمر سلامي وقل له لا تدع أمة محمد بلا راع،.. استخلف عليهم، ولا تدعهم بعدك هم، فاني أخشى عليهم الفتنة!! فأتى عبد الله عمر فأعلمه فقال عمر: ومن تأمرني أن أستخلف لو أدركت؟... الخ (2).
وأخرج البلاذري في أنساب الأشراف عن ابن عباس قال، قال: عمر لا أدري ما أصنع بأمة محمد، وذلك قبل أن يطعن؟ فقلت: ولم تهتم وأنت تجد من تستخلفه؟ (3).
وقد رأينا أن عبد الله بن عمر وصف حالة ترك الأمة بدون راع بأنها تضييع للأمانة، وأنها تفريط، وأنها محل لوم يترفع عن الوقوع فيها راعي الإبل أو راعي الغنم، وأن ترك الأمة يبدون راع يعني تركهم هم، على حد تعبير عائشة، ويؤدي إلى الفتنة حسب توقعها!!!.
فهل يعقل بربكم أن يكون راعي الغنم أو الإبل، أو عبد الله بن عمر، أو أم المؤمنين أبعد نظرا، وأدرك لعواقب الأمور من رسول الله (ص)، وهو صفوة الجنس البشري؟!!، وهل يعقل أن يكون ابن عمر أو أبوه أو أم المؤمنين أو ابن أبي قحافة أكثر رحمة من النبي بأمته؟!!.
ثم إن فكرة ترك الرسول للأمة دون أن يعين خليفة من بعده، أو يبين على الأقل طريقة تعيينه: فكرة تتعارض مع كمال الدين وتمام النعمة!! وهل يعقل أن يبين الرسول المهم ويترك الأهم؟!! (4).
أخرج الطبري في الرياض النضرة (5)، كما أخرج أبو ذر عن ابن عمر أنه قال:
لما طعن عمر قلت: يا أمير المؤمنين لو أجهدت نفسك وأمرت عليهم رجلا؟ فقال عمر: والذي نفسي بيده لأردنها للذي دفعها إلي أول مرة، - ويقصد به عثمان -: حيث كلفه أبو بكر بكتابة عهده فقال لعثمان: أكتب - إني قد وليت عليكم - ثم أغمي على أبي بكر من شدة الوجع، فكتب عثمان -

١ - مروج الذهب ٢ / ٢٥٣.
٢ - الإمامة والسياسة لابن قتيبة ص ٢٢، وأعلام النساء ٢ / ٧٨٦.
٣ - أنساب الأشراف للبلاذري 5 / 16.
4 - راجع الخطط السياسية لتوحيد الأمة الإسلامية ص 371 وما فوق: تجد التنظير المنطقي لهذه الشائعة.
5 - الرياض النضرة لمحب الدين الطبري ج 2 ص 74.
(٦٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 63 64 65 66 67 68 69 70 71 72 73 ... » »»