رجال تركوا بصمات على قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٦٧
1 - إن الرسول (ص) لم يستخلف أحدا، إنما خلى على الناس أمرهم.
2 - إن الرسول (ص) لم يجمع القرآن، والخلفاء الثلاثة هم الذين جمعوه.
أطلقت هاتان الإشاعتان معا ومفادهما الترك، فعلى المستوى القيادي فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد خلى للناس أمرهم، ولم يستخلف أحدا من بعده، لا علي بن أبي طالب ولا غيره، بل ترك أمته بلا راع ولا قائد، ولا بين لها كيف تختار ولا من تختار. فجاء الخلفاء الثلاثة ورتبوا أمر القيادة من بعد النبي، وتلافوا بعبقريتهم الفذة ما أغفله النبي!! هذا على الصعيد القيادي.
أما على الصعيد القانوني فإن الرسول (ص) قد انتقل إلى جوار ربه، وترك القرآن الكريم في صدور الرجال ولم يجمعه، وخشي الخلفاء الثلاثة أن يضيع القرآن بعد أن يقتل حفظته أو يموتوا، لذلك شمروا عن سواعدهم وجمعوا القرآن، ولولا بعد نظر أولئك الخلفاء لضاع القرآن واندثر، وهكذا تلافى الخلفاء ما أغفله النبي، وبخطوتهم تلك حفظوا القرآن من الضياع!!.
يقول أبو بكر: إن الله بعث محمدا نبيا، وللمؤمنين وليا، فمن الله تعالى بمقامه بين أظهرنا حتى اختار الله له ما عنده، فخلى على الناس أمرهم ليختاروا لأنفسهم ما فيه مصلحتهم متفقين لا مختلفين، فاختاروني عليهم وليا ولأمورهم راعيا (1).
فأبو بكر هو أول من أشاع بأن الرسول قد خلى على الناس أمرهم، أي ترك أمته بعده بغير راع، وترك للأمة حرية اختيار هذا الراعي في ما بعد، وبيان كيفية اختيارهم له!!.
وجاء في تاريخ الطبري أن أبا بكر قال في مرضه الذي توفي منه: وددت أني سألت رسول الله لمن هذا الأمر فلا ينازعه أحد؟!! ووددت أني كنت سألته هل للأنصار في هذا الامر نصيب؟! (2) وأخرج أبو نعيم في حليته، ومسلم في صحيحه، والبخاري في صحيحه، والبيهقي في سننه، وابن الجوزي في سيرة عمر واللفظ للأول ما يلي:.
إن ابن عمر قال لأبيه: إن الناس يتحدثون أنك غير مستخلف، ولو كان لك راعي إبل أو راعي غنم، ثم جاء وترك رعيته، رأيت أنه قد فرط، ورعاية الناس أشد من رعاية الإبل والغنم!! ماذا تقول لله عز وجل إذا لقيته ولم تستخلف على عباده؟ قال ابن عمر:
فأصابته كآبة، ثم نكس رأسه طويلا، ثم رفع رأسه وقال: وأي ذلك أفعل فقد سن لي - إن لم أستخلف فإن رسول الله لم يستخلف، وإن أستخلف فقد استخلف أبو بكر!! (3).
وروى المسعودي في مروج الذهب أن عبد الله بن عمر دخل على عمر بن الخطاب وهو

١ - ابن قتيبة الدنيوري في الإمامة والسياسة ١ / ١٥.
٢ - تاريخ الطبري ٤ / 53، وفي العقد الفريد 2 / 0254 3 - حلية الأولياء 1 / 44.
(٦٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 62 63 64 65 66 67 68 69 70 71 72 ... » »»