فنهتني قريش، وقالوا تكتب كل شئ سمعته من رسول الله، ورسول الله بشر يتكلم في الغضب والرضى؟ فأمسكت عن الكتابة، فذكرت ذلك لرسول الله، فأومأ بإصبعه إلى فمه وقال: أكتب، فوالذي نفسي بيده ما خرج منه إلا حقا (1).
لما آلت الخلافة إلى أبي بكر كان أول مشروع فعله هو جمعه للأحاديث النبوية التي كتبها هو شخصيا وقيامه بإحراقها، كما روت السيدة عائشة ابنته وأم المؤمنين.
وكان مشروعه الثاني أن جمع الناس وقال لهم: إنكم تحدثون عن رسول الله أحاديث تختلفون فيها، والناس بعدكم أشد اختلافا، فلا تحدثوا عن رسول الله شيئا، فمن سألكم فقولوا بيننا وبينكم كتاب الله (2).
فهذا الموقف المعلن من أبي بكر، وقناعته بأن الحديث عن رسول الله يورث الخلاف، وقيامه بإحراق الأحاديث التي جمعها شخصيا، كل ذلك يدل على حساسيته المفرطة من أحاديث رسول الله (ص)، وأنه أحد الذين نهوا ابن عمرو عن كتابة أحاديث الرسول، تحت شعار أنه يتكلم في الغضب والرضى، ثم من هي قريش إن لم يكن أبو بكر وهو أحد شيوخها منها؟!.
وعندما آلت الخلافة، إلى عمر بن الخطاب بعد موت أبي بكر، كان أول مشاريعه أن طلب من الناس وناشدهم ليأتوه بأحاديث رسول الله التي كتبوها، وظن الناس أن عمر يريد أن يجمع أحاديث رسول الله فأتوه بها، فلما أتوه بأحاديث رسول الله المكتوبة، أمر بحرقها جميعا، وحرقت بالفعل (3).
جاء في كنز العمال، أنه ما مات عمر حتى بعث إلى أصحاب رسول الله فجمعهم من الآفاق:
عبد الله بن حذيفة وأبا الدرداء وأبا ذر وعقبة بن عامر، وقال لهم: ما هذه الأحاديث التي أفشيتم عن رسول الله في الآفاق؟ قالوا: أتنهانا؟ قال: لا، أقيموا عندي، لا والله لا تفارقوني ما عشت، فنحن أعلم، نأخذ منكم ونرد عليكم (4).
وروى الذهبي: أن عمر حبس ثلاثة بتهمة أنهم (أكثروا الحديث عن رسول الله) (5).
ولقد نهى عمر جيوشه عن الرواية عن رسول الله (6)، وهذه السياسة الصارمة نحو رواية الأحاديث، ونحو حرق المكتوب منها: تدل على حساسيته المفرطة تجاه أحاديث رسول