رجال تركوا بصمات على قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٦١
الله (ص)، حتى ولو كان شخصيا هو الذي سمعها، وموقفه بالحجرة المباركة ومواجهته للرسول وجها لوجه، وإن قوله للرسول: حسبنا كتاب الله يؤكد هذه الحساسية.
وإن لم يكن أبو حفص مع قريش التي نهت عبد الله بن عمرو عن كتابة أحاديث الرسول، فمن هي قريش إذا؟، صحيح أنه لم يكن واحدا من سادة قريش قبل الإسلام، وأنه كان شخصا عاديا، ولكنه نال الشرف بالإسلام، ونال العلا بمصاهرته لرسول الله فأصبح من سادة قريش، فمن غير الممكن أن تنهى قريش في غياب عمر!!!.
ولما آلت الخلافة إلى عثمان بعد موت عمر، كانت أول مشاريعه أن أصدر مرسوما بعدم جواز رواية أي حديث لم يسمع به في عهدي أبي بكر وعمر (1).
تلك هي قريش التي نهت عبد الله بن عمرو بن العاص عن كتابة أحاديث رسول الله، بحجة أن الرسول بشر يتكلم في الغضب والرضى. وفي الحقيقة فإن الغاية المنشودة من النهي كانت لغايات إبطال مفاعيل الأحاديث النبوية المتعلقة بمؤسسة الإمامة من بعد النبي (ص)، وبالدور المميز لأهل بيت النبوة (ع) بعد وفاته!!.
معاوية يبين الغاية من الإشاعة.
كان معاوية بن أبي سفيان أحد قادة التحالف، وقد أصدر مرسوما بعد عام الجماعة، وأرسل نسخا من هذا المرسوم إلى كل عماله، حيث أمر فيه بالحرف، أن: برئت الذمة ممن روى شيئا من فضل أبي تراب وأهل بيته!!
فمعاوية قد أبرز بيت القصيد، والغاية من منع كتابة أحاديث رسول الله، حتى لا ينتشر فضل أبي تراب وأهل بيته في الأمة، وحتى لا يعرف المسلمون حقهم الثابت شرعا بقيادة هذه الأمة!! (2).
ثانيا - روى البخاري: إن رسول الله كان يغضب، فيلعن، ويسب، ويؤذي من لا يستحقها، ودعا الله أن تكون لمن بدرت منه زكاة وطهورا.
وهكذا صوروا رسول الله صاحب الخلق العظيم الذي وصفه الله تعالى بآية محكمة (وإنك لعلى خلق عظيم) (3)، بصورة الرجل الذي يفقد السيطرة على أعصابه، فيتصرف بمثل تلك التصرفات التي ألصقوها ظلما به (ص): لأن الشخص العادي الذي لا تتوفر فيه مؤهلات النبوة، يترفع عن سب ولعن وإيذاء الناس بدون سبب، فكيف بسيد الخلق وأعظمهم؟!!!.
القصد من الإشاعة؟!!.
القصد من ممارساتهم تلك هو دعم الإشاعة الأولى، والتشكيك بشخصية الرسول وبصحة

1 - منتخب الكنز هامش مسند الإمام أحمد 4 / 64.
2 - شرح النهج لعلامة المعتزلة 3 / 595 - 596.
3 - سورة القلم آية 4.
(٦١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 56 57 58 59 60 61 62 63 64 65 66 ... » »»