أضف إلى ذلك ما أشرنا إليه من أن الجهاز الحاكم، كان يعرف في دخيلة نفسه حق الامام، وعدالة قضيته، وصدق قوله. وإنما كان يمنعهم عن اتباع الحق: الملك العقيم، والمصالح العريضة المتعلقة بالخلافة العباسية، مضافا إلى تعصب وراثي قديم. ومن هنا كانوا يشعرون أن ولادة المهدي عليه السلام، وهو الشخص الذي ملأ رسول الله (ص) أسماعهم بأنه يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا...، أن ولادته هذه، تعنى الحكم على نظامهم بالموت المحتم، وفضح مخططاهم المنحرفة، وأساليب عصيانهم لأوامر الإسلام، واهمال طاعة الله تعالى، وعدم الاهتمام بالأمة الاسلامية وعبارة أقرب:
إنهم كانوا يدركون أن مجتمعهم الذي يحكمونه قد امتلأ.. بفعل انحرافهم وسوء تصرفهم.. ظلما وجورا.
إذن فمن المنطقي أن يتصدى الإمام المهدي عليه السلام لطواغيت الأرض، لكي يملأه قسطا وعدلا وهذا ما يخافونه ويرهبونه.
وهم وان لم يحددوا بالضبط تأريخ ميلاد الإمام المهدي عليه السلام، للسرية التامة المحاط بها الا أنهم يعلمون، على الإجمال أن زمانه قد أظلهم و أنه على وشك الوجود. فإنه يكفيهم أن يعرفوا أن الإمام العسكري عليه السلام يكون في السلسلة التي وعد بها رسول الله (ص) الامام الحادي عشر...: لكي يكون ولده هو الثاني عشر وهو المهدى. إضافة إلى ذلك جهلهم بتحديد التاريخ، وما سنتطرق إليه من مراقبتهم للحوامل عند وفاة الإمام العسكري (ع)، ظنا منهم بوجود الامام المهدى (ع) جنينا في رحم إحدى النساء. مع أنه كان مولودا قبل خمس سنوات، كما أطلع على ذلك الخاصة من مواليه.
وإذا كان نشاط الامامين العسكريين عليهما السلام، وهو مقتصر على حفظ مصالح قواعدهم الشعبية، ومشفوعا بسياسة السلبية والمسالمة مع الجهاز الحاكم على ما قلنا.. إذا كان هذا النشاط مثيرا ومغضبا للسلطة..، فكيف بالنشاط الموعود للمهدي المنتظر الذي يكون شديدا في الحق، لا يتسامح ولا يسالم ولا يعفو عن الإنحراف.
ومن هنا كان عمل السلطة في تلك الظروف أقرب شبها بالحركات العصبية، التي يقوم بها المخنوق عند خنقه أو الغريق قبل إنقاذه.. فإنها تعلم بوجود شئ خطر مشرف عليها، شديد الأهمية بالنسبة إليها... ولكنها تشعر بالعجز تجاهه، وقصر الباع في الوصول إليه و الوقوف عليه، بالرغم من وجود القوة والمال والضمائر الأجيرة، وليس في الجانب الآخر الا العزل والفقراء والمضطهدون..، ولعلها تحس تجاه ذلك بالتحدي لقوتها وعزتها، فتزيد من نشاطها وتبذل المستحيل في سبيل القبض على الامام المهدى (ع).
فكانت هذه المسؤولية المزدوجة للإمام العسكري عليه السلام، تضعه في موقف غاية في الدقة والحرج.
ويزيد الموقف دقة، أن الإمام العسكري يعيش في هذا المجتمع الصاخب، تحت الأضواء المسلطة عليه من كل الجهات، والرقابة الاجتماعية التي تلاحقه لعدة