رجال تركوا بصمات على قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٢٥٧
والبحث. وقد نأى هذا الخطر عن الإمام إلى حد كبير بعد يأس الدولة من العثور عليه.
وأما الإمام الهادي عليه السلام، فالمظنون أنه يشير إلى خصوص هذه الفترة التأريخية، أو والى ما بعدها - أي انتهاء زمان الغيبة الصغرى -، فإن التصريح باسمه والاخبار عن ولادته ووجوده، كان خطرا عليه في مثل تلك الأزمنة.
كان الموقف على عهد الإمام الحسن العسكري عليه السلام مختلفا عن الموقف في عصر الغيبة الصغرى الذي ابتدأ بوفاته، ويفتتحه عثمان بن سعيد بسفارته عن المهدى (ع). فان السلطات في ذلك العصر المتأخر كانت قد يئست من إلقاء القبض على المهدي عليه السلام، حتى قررت إلغاء وجوده القانوني كوريث شرعي لأبيه، فكان في التصريح باسمه إعادة للشك إلى ذهن السلطة. وأما في زمان أبيه عليهما السلام... فلم تكن السلطة قد التفتت إلى ولادته أو أحست بشئ يدل عليه. ومن المعلوم اختلاف الحالة النفسية عند السلطة بين كونها غافلة أساسا عن الشئ، وبين كونها ملتفتة عاجزة فإنها في هذه الحالة الثانية تكون أقرب ذهنا وأكثر توجها إلى تصيد الخبر الشارد واللفظ الوارد عن الإمام المهدي عليه السلام.
الا أننا سنلاحظ من الإمام العسكري عليه السلام، أنه وان ينه عن التسمية.. الا أنه يأخذ جانب الحذر... فلا يصرح باسمه لاحد من خاصته ممن يريهم ولده المهدى، بل يكتفى بقوله لهم: هنا صاحبكم.. يعنى انه الامام بعده عليه السلام. ويقتصر في التصريح باسمه على أقل القليل.
وفي الحقيقة، ان التكليف الشرعي الاسلامي، المتعلق بالامام العسكري عليه السلام بالتبليغ، وإقامة الحجة على وجود ولده، والتكليف المتعلق بأصحابه بالايمان بامامهم الثاني عشر..، يكفي فيه هذا المقدار من الاطلاع وإن كان الاسم مجهولا. إذ يكفيهم بينهم وبين الله أن يؤمنوا بوجود إمام يرجعون إليه في الاحكام والمشاكل. ولا يتوقف ذلك على معرفة أسمه بعد معرفة شخصه وإمكان الاتصال به عن طريق سفرائه.
على أننا سنعرف أن الكثير من الأصحاب، قد تيسرت لهم رؤيته (عج). إذن يكفي للفرد الموالى أن يكثر السؤال من كثيرين ممن يعرف فيه القدم والرسوخ في علاقته مع الإمام العسكري عليه السلام، وممن شاهد ولده المهدى (ع) من غيرهم.. ليحصل عنده التواتر الموجب للعلم بوجود إمامه الثاني عشر. ولئن كان التواتر قد وصلنا من الطرق الخاصة والعامة إلى هذا العصر.. فكيف في ذلك الزمن الذي كانت كل القرائن تدل عليه وكل الأيدي تشير إليه، وكان هم أبيه ووكلائه وأصحابه.. هو التأكيد على وجوده والتبليغ عنه إلى كل صالح للتبليغ.
الاعلان الرسمي عن إمامته (ع).
ولعل أوسع إعلان يقوم به الإمام العسكري بين أصحابه عن ولادة ابنه وإمامته من بعده، ووجوب طاعته عليهم، هو أنه عليه السلام قبل وفاته بأيام، وقد كان مجلسه غاصا بأربعين من أصحابه ومخلصيه، منهم محمد بن عثمان العمرى، ومعاوية بن
(٢٥٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 252 253 254 255 256 257 258 259 260 261 262 ... » »»