رجال تركوا بصمات على قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٢٥٤
أسباب: منها: أنه الرجل الاسلامي المثالي في عبادته وأخلاقه وعلمه ونسبه في نظر الجميع. ومنها: أنه القائد والموج لقواعد شعبية واسعة من المسلمين. ومنها: أنه يمثل جبهة المعارضة ضد السلطات الحاكمة. ومنها: أن السلطة تسعى لاستمالته إلى البلاط واخضاعه لرغباتها - ولكن دون جدوى -.
ومن المعلوم أن الشخص الذي يحمل بعض هذه الخصائص، فضلا عن جميعها يكون لولده من بعده شأن كبير وخبر ذائع.
فكان أقرب تخطيط للخروج من هذا المآزق، هو ترك الإعلان الاجتماعي عن ولادة المولود الجديد كلية، وكأن شيئا لم يحدث على الاطلاق، بالنسبة إلى الفهم العام، وترك الاحداث تسير في مجراها الاعتيادي من دون إثارة أي انتباه أو فضول أوشك من أحد في شئ من النشاط أو القول أو العمل. حتى أن خادم الباب في بيت الإمام العسكري لم ينتبه إلى شئ ولم يفهم شيئا، (1) إذ أنه ما لم يحصل الشك والانتباه لم يحصل الفحص والسؤال.
ومما ساعد الإمام العسكري (ع) على الإخفاء مساعدة كبرى، تطبيقه سياسة الاحتجاب على نفسه، وانقطاعه عن أصحابه و مواليه الا بواسطة المراسلات، كما عرفنا: حيث استطاع عليه السلام بذلك تحقيق نتيجتين أساسيتين، إحداهما: تعويد قواعده الشعبية على فكرة الاحتجاب والقيادة غير المباشرة، كما سبق أن أوضحنا. وثانيتهما: استقطاب المهام التي كان يقوم بها، والحوادث التي كان يعيشها.. بشكل منفرد، بعيد عن الانتباه و تسليط الأضواء والضوضاء.. لا يكاد يعرف بكل مهمة أحد الا أهل الصلات بها. وحيث كان اخفاء ولده من مهامه الرئيسية، فلم يكن ذلك بممتنع عليه بعد تخطيط الاحتجاب.
وقد ساعد على الاخفاء أيضا مساعدة كبيرة، تحول انتباه الدولة والمجتمع إلى حرب صاحب الزنج الذي بدأ أعماله التخريبية في جنوب العراق والأهواز في عام ميلاد المهدي عليه السلام .. عام 255 ه‍ على المشهور في ميلاده. والمتتبع للتأريخ العام يعرف ما أوجده هذا المخرب من الفزع والقلق في أذهان الشعب عامة والجهاز الحاكم بصورة خاصة.
ومن المعلوم أن المجتمع الذي يسوده القلق الذهني يكون تفكيره منصبا على ما يخاف منه، ومن الصعب أن يلتفت إلى شئ آخر. كالفرد إذا خاف وحشا ركز نظره وفكره و قوته عليه، وكذلك الحال بالنسبة للمجتمع. فكان حركة صاحب الزنج سببا مناسبا لصرف الأذهان عن الالتفات إلى ميلاد الإمام المهدي عليه السلام.
الا أن هذه الفكرة ظلت تجيش بشكل غامض في ذهن السلطات المتمثلة في الخليفة المعتمد العباسي نفسه.. وتتجلى بأوضح صورها على ما سوف يقوم به عند وفاة الإمام العسكري عليه السلام. إذ يكون المعتمد العباسي في ذلك الحين مرتاحا بعض

1 - انظر اكمال الدين. (مخطوط).
(٢٥٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 249 250 251 252 253 254 255 256 257 258 259 ... » »»