رجال تركوا بصمات على قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٢٥٥
الراحة من الناحيتين السياسية والعسكرية.. بعد أن أوكل قتال صاحب الزنج إلى أخيه أبى أحمد الموفق، قبل عامين.. سنة 258 كما عرفنا.
والى هنا استطاع الإمام الحسن العسكري عليه السلام أن يضمن بكل بساطة.. حماية ولده المهدي عليه السلام من الجهاز الحاكم ومن كل من يدور في فلكه.. وأما مهمته الأولى عليه السلام، وهي إثبات وجوده للتأريخ وللأمة الاسلامية عامة ولمواليه خاصة..، فكان يجب - تحت الظروف التي عاشها الامام - أن تنحصر تلك المهمة على التبليغ بوجوده واظهاره لكل شخص يعلم فيه قوة الايمان والاخلاص في عقيدته وصلابة الإرادة، مما تجعله لا يلين أمام أي ضغط من السلطان، بحيث يكون على استعداد أن قدم نفسه فداء في سبيل امتثال أمر إمامه (ع) بالكتمان. كما أنه لابد أن يعلم من رجاحة عقله واتزانه و لباقته، أنه يكتم ذلك عن المجتمع كتمانا تاما، ولا يتهور بإذاعة السر إلى من لا ينبغي أن يذيعه له، وله الخبرة الكافية بالخاصة الذين يمكن أن يتبادل وإياهم هذا الخبر... وهكذا كان... وبمقدار هذا التبليغ خطط الإمام العسكري عليه السلام.
وكان هذا سببا لحجب المولود الجديد، حجبا تاما مطلقا عن الجمهور غير الموالى له.
بل حتى عن جمهور الموالين ممن لم تحرز فيه قوة الإرادة وعمق الإخلاص.
وكان كل من يطلعه الامام على المولود الجديد، فيرويه إياه أو يخبره عنه، مكلفا تكليفا إلزاميا بأمرين لا مناص له منهما، وهو يطبقهما تبعا لاخلاصه وقوة إرادته وايمانه. وهما.
أولا: وجوب الكتمان. وقد سمعنا فيما سبق أن أحد الأصحاب يقول للاخر: ولد البارحة في الدار مولود لأبي محمد (ع) وأمر بكتمانه ويكتب الإمام العسكري عليه السلام لأحمد بن إسحاق: ولد لنا مولود، فليكن عندك مستورا، وعن جميع الناس مكتوما. فإنا لم نظهر عليه الا الأقرب لقرابته والموالي لولايته. أحببنا إعلامك ليسرك الله به، مثل ما سرنا به. والسلام (1).
وقد عرفنا، بكل وضوح وجه المصلحة في هذا الكتمان.
ثانيا: حرمة اطلاع أحد على اسمه عليه السلام وهو أسلوب في الكتمان ورد التأكيد عليه بشكل خاص.
ولا يخفى أن اسم المهدى المنتظر أساسا، معلوم لدى الأمة، بإخبار نبيها (ص) حين قال:
اسمه اسمى. وهذا يعنى بكل وضوح أن اسمه محمد وهذه المعرفة لا يختلف فيها الناس من موالين وغيرهم.
ولكن السلطة القائمة، إذ تريد أن تطارد المهدى المنتظر في شخص المولود الجديد، لابد لها من أمرين: أولا: أن تعرف ولادته، إذ مع الغفلة عنها، لا يمكنها بطبيعة الحال أن تجرد المطاردة الفعلية الحقيقية ضد المولود. وثانيا: أن تعرف

1 - أنظر اكمال الدين المخطوط.
(٢٥٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 250 251 252 253 254 255 256 257 258 259 260 ... » »»