رجال تركوا بصمات على قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٢١٠
الذي احتفره لي خائبا مما أمله في دنياه، متباعدا عما رجاه في آخرته، فلك الحمد على ذلك قدر استحقاقك. سيدي، اللهم فخذه بعزتك، وافلل حده عني بقدرتك، واجعل له شغلا فيما يليه، وعجزا عما يناويه، اللهم وأعدني عليه من عدوي حاضرة تكون من غيظي شفاء، ومن حقي عليه وفاء، وصل اللهم دعائي بالإجابة، وأنظم شكايتي بالتغيير، و عرفه عما قليل ما وعدت الظالمين، وعرفني ما وعدت في إجابة المضطرين، انك ذو الفضل العظيم والمن الكريم.
قال: ثم تفرق القوم، فما اجتمعوا الا لقراءة الكتاب الوارد عليه بموت موسى بن المهدى (1).
وهكذا انتهى الصراع بين هذا الحاكم العباسي وبين الإمام موسى بن جعفر (ع) ليبدأ مرحلة جديدة مع الحاكم العباسي الجديد هارون الرشيد.
الإمام الكاظم والطاغية هارون الرشيد.
الذي يتابع بعض العبارات التي صدرت من أقرب الناس لبني العباس أو يتابع الاحداث، يدرك مدى الخوف والارهاب الذي زرعه العباسيون في نفوس الناس، ويعرف أهمية موقف الامام وتصديه لمواجهة الظلم والارهاب، وكسر حاجز الخوف عند الناس.
فمثلا، سجل التاريخ أن الفضل بن يحيى بن خالد البرمكي الذي كان من أخلص المقربين من الرشيد، يجرد من ثيابه ويضرب ويهان ويلعن في مجلس عام بطلب من الرشيد: لأنه رفه عن الإمام الكاظم وخفف عنه آلام السجن (2).
وهذا الفضل بن الربيع وهو من أبرز الساسة المقربين للرشيد، ومن أعمدة البلاط و وزرائه يتحدث عن موقف جرى له، ويكشف عن عمق الخوف والارهاب في نفسه، فيرسم لنا صورة الارهاب العباسي.
قال: كنت ذات ليلة في فراشي مع بعض الجواري، فلما كان في نصف الليل سمعت حركة باب المقصورة، فراعني ذلك، فقالت الجارية: لعل هذا من الريح، فلم يمض الا يسير حتى رأيت باب البيت الذي كنت فيه قد فتح، وإذا بمسرور الكبير قد دخل على، فقال لي: أجب الأمير، ولم يسلم على، فيئست من نفسي وقلت: هذا مسرور، ودخل إلى بلا اذن، ولم يسلم، ما هو الا القتل، وكنت جنبا فلم أجسر أن أسأله إنظاري حتى أغتسل، فقالت لي الجارية لما رأت تحيري وتبلدي: ثق بالله عز وجل، وانهض فنهضت ولبست ثيابي و خرجت معه حتى أتيت الدار، فسلمت على أمير المؤمنين وهو في مرقده، فرد على السلام، فسقطت، فقال: تداخلك رعب؟ قلت: نعم يا أمير المؤمنين. فتركني ساعة حتى سكنت (3).

١ - الصدوق / عيون أخبار الرضا ج ١ / ص ٧٩.
٢ - أبو الفرج الأصفهاني / مقاتل الطالبيين / ص 503.
3 - الصدوق: عيون أخبار الرضا ج 1، ص 74. /
(٢١٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 205 206 207 208 209 210 211 212 213 214 215 ... » »»