رجال تركوا بصمات على قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ١٩٩
موقف الإمام الصادق (ع) منها هو التسديد والحوار العلمي والنقد الشرعي النزيه.
والذي يتابع منهج الامام، ومهمته العلمية يكتشف أنه (ع) كان يستهدف بعمله ومدرسته الهدفين الآتيين.
أولا - حماية العقيدة من التيارات العقائدية والفلسفية الالحادية والمقولات الضالة التي انتشرت في عصره، كالزندقة والغلو، والتأويلات الاعتقادية التي لا تنسجم و عقيدة التوحيد، التي نشأت كتيار كونته الفرق الكلامية والمدارس الفلسفية الشاذة، لذا انصبت جهود الإمام (ع) على الحفاظ على أصالة عقيدة التوحيد ونقاء مفهومها، و ايضاح جزئياتها وتفسير مضامينها، وتصحيح الأفكار والمعتقدات في ضوئها، وقد درب تلامذته أمثال هشام بن الحكم على علم الكلام والجدل والمناظرة والفلسفة، ليقوموا بالدفاع عن عقيدة التوحيد وحمايتها من المعتقدات الضالة، كمعتقد الجبر والتفويض، والتجسيم، والغلو، وأمثالها من الآراء والمعتقدات الشاذة عن عقيدة التوحيد.
ومن يقرأ آثار الامام ومناظراته وتوجيهاته وحواره يستطيع أن يكتشف هذه الحقيقة واضحة جلية، ويستطيع أن يدرك معنى التوحيد، ويفهم أصالته ونقاءه، وقد برئ الإمام (ع) من هؤلاء الخارجين على عقيدة التوحيد، كما برئ آباؤه منهم من قبل، فقد حدثنا التاريخ والرواة عن هذه الآراء الضالة، وعن موقف الإمام الصادق (ع) منهم ما يزيدنا وضوحا ومعرفة بتلك المقالات الضالة وببراءة أهل البيت (ع) منهم.
عن سدير، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): ان قوما يزعمون أنكم آلهة، يتلون بذلك علينا قرآنا: (وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله) (1) فقال (ع): (يا سدير سمعي وبصري وبشري ولحمي ودمي وشعري من هؤلاء براء، وبرئ الله منهم، ما هؤلاء على ديني ولا على دين آبائي، والله لا يجمعني الله وإياهم يوم القيامة الا وهو ساخط عليهم (2).
ومن الجدير بالذكر هنا أن فرقا كثيرة حاولت أن تستغل اسم أهل البيت (ع)، لتتستر على عقائدها المنحرفة الخارجة على عقيدة الاسلام، التي حمل أهل البيت (ع) وأتباعهم وتلامذتهم لواءها، ودافعوا عن أصالتها ونقائها.
ثانيا - نشر الاسلام: أما الهدف الثاني لمدرسة الإمام جعفر بن محمد الصادق (ع) وجهوده العلمية فهو نشر الاسلام، وتوسيع دائرة الفقه والتشريع، وتثبيت معالمها، و حفظ أصالتها، إذ لم يرو عن أحد من الحديث، ولم يؤخذ عن امام من الفقه والأحكام، ما أخذ عن الإمام جعفر بن محمد الصادق (ع).
ولذا اعتبرت أحاديثه، وفتاواه، وما أخذ عنه، أساسا وقاعدة لاستنباط الفقه والأحكام لدى العلماء والفقهاء، والسائرين على نهج والملتزمين بمدرسته،

1 - الزخرف / 84.
2 - الكليني / الكافي / ج 1 / ص 269.
(١٩٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 194 195 196 197 198 199 200 201 202 203 204 ... » »»