رجال تركوا بصمات على قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٢١١
ان القارئ والمتأمل في هذه الوثيقة التاريخية، وهو يعرف موقع الفضل بن الربيع من هارون الرشيد، ويتأمل في نصوص الوثيقة، يعرف مدى الخوف والارهاب والاستهانة بكرامة الانسان، فأقرب المقربين وأبرز أركان السلطة وعمادها يعيش هذا الشعور ويعاني من هذه العقدة، فكيف بالمعارضين وبمن لا تربطهم بقصر الخليفة رابطة؟ وكيف بعامة أفراد الأمة؟!.
نقل أن يحيى ابن خالد البرمكي لما قدم إلى بغداد، لتدبير عملية اغتيال الإمام موسى بن جعفر (ع)، فوجئ الناس به فاستولى الذعر والخوف وشاعت الإشاعات، وانتشرت الأراجيف المعبرة عن الخوف، وترقب الشر، كما ورد في النص التاريخي.
ثم خرج يحيى بن خالد بنفسه على البريد حتى أتى بغداد، فماج الناس وأرجفوا بكل شئ (1).
فالمتأمل لعبارة (فماج الناس، وأرجفوا بكل شئ) يستطيع أن يدرك وبوضوح كامل طبيعة علاقة الأمة بالسلطة، ويعرف كيف كانت تساس الأمة وتدار شؤون الدولة، وكيف كان الحكام العباسيون وأنصارهم يقبضون على مقاليد الأمور وكيف كان موقف الامام بوجه السلطة يمثل قمة المسؤولية، ويعبر عن ضرورة عقائدية لانقاذ الأمة، وكسر طوق الارهاب المضروب عليها.
نماذج مأساوية لظلم العباسيين للعلويين.
ومن فجائع ما دون التاريخ ما ذكره حميد بن قحطبة أحد أمراء الرشيد إلى أحد خواصه، وهي قصة مأساوية فجيعة (2)، تمثل محنة العلويين، وظلم بنى العباس وقسوتهم. جاء في القصة أن الرشيد لما كان بطوس استدعاه] حميد بن قحطبة [وسأله عن طاعته لأمير المؤمنين، فأجاب أنه مستعد أن ينفذ ما يطلب منه، ولما اطمأن الرشيد إلى اخلاصه للعرش العباسي وقدرته على التنفيذ، أمر الخادم أن يناوله سيفا ويذهب إلى بيت مغلق في وسطه بئر، وفي البيت ثلاثة بيوت مغلقة، فلما أدخله الخادم فتح أحد البيوت وإذا في البيت عشرون علويا من ذرية علي بن أبي طالب وفاطمة بنت رسول الله (ص)، وهم شباب وشيوخ وكهول مقيدون بالسلاسل والقيود، فطلب منه قتلهم والقاءهم في البئر ففعل، ثم فتح البيت الثاني ووجد فيه مثل هذا العدد وأمره بقتلهم ففعل، ثم فتح البيت الثالث وفيه مثل هذا وأمره بقتلهم ففعل، وكانت هذه القصة المأساوية سرا في زنزانات الارهابيين والقتلة، الا أن حميد بن قحطبة أفشى هذا السر بعد أن أخذت تلاحقه أشباح الجريمة، ويؤلمه وخز الضمير، وبعد أن شعر بأن صورته الانسانية قد مسخت، وأنه توغل في الجريمة

١ - المجلسي / البحار / ج ٤٨ / ص ٢٣٤، نقلا عن الغيبة.
* حدثت هذه المأساة بعد شهادة الإمام موسى بن جعفر (ع).
(٢١١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 206 207 208 209 210 211 212 213 214 215 216 ... » »»