رجال تركوا بصمات على قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ٢١٣
وعبد الله (المأمون) وجعل الامر له بعد ابن زبيدة، والقاسم (المؤتمن)، وجعل الامر له بعد المأمون، فأراد أن يحكم الامر في ذلك، ويشهره شهرة يقف عليها الخاص والعام.
فحج في سنة تسع وسبعين مئة وكتب إلى جميع الآفاق يأمر الفقهاء والعلماء والقراء والامراء أن يحضروا مكة أيام الموسم، فأخذ هو طريق المدينة.
قال على بن محمد النوفلي: فحدثني أبى أنه كان سبب سعاية يحيى بن خالد بموسى بن جعفر عليه السلام أنه قد وضع الرشيد ابنه محمد بن زبيدة في حجر جعفر ابن محمد بن الأشعث فساء ذلك يحيى، وقال: إذا مات الرشيد وأفضى الامر إلى محمد انقضت دولتي ودولة ولدى، وتحول الامر إلى جعفر بن محمد بن الأشعث وولده، وكان قد عرف مذهب جعفر في التشيع، فأظهر له أنه على مذهبه، فسر به جعفر وأفضى إليه بجميع أموره، وذكره له ما هو عليه في موسى بن جعفر (ع).
فلما وقف على مذهبه سعى به إلى الرشيد، فكان الرشيد يرعى له موضعه وموضع أبيه من نصرة الخلافة، فكان يقدم في أمره ويؤخر، ويحيى لا يألو أن يخطب (1) عليه، إلى أن دخل يوما إلى الرشيد فأظهر له اكراما، وجرى بينهما كلام مت (2) به جعفر لحرمته و حرمة أبيه، فأمر له الرشيد في ذلك اليوم بعشرين ألف دينار، فأمسك يحيى عن أن يقول فيه شيئا حتى أمسى، ثم قال للرشيد: يا أمير المؤمنين قد كنت أخبرتك عن جعفر ومذهبه فتكذب عنه، وهاهنا أمر فيه الفيصل. قال: وما هو؟ قال: انه لا يصل إليه مال من جهة من الجهات الا أخرج خمسه فوجه به إلى موسى بن جعفر، ولست أشك أنه قد فعل ذلك في العشرين ألف دينار التي أمرت بها له، فقال هارون: ان في هذا لفيصلا فأرسل إلى جعفر ليلا، وقد كان عرف سعاية يحيى به، فتباينا وأظهر كل واحد فيهما لصاحبه العداوة، فلما طرق جعفرا رسول الرشيد بالليل خشى أن يكون قد سمع فيه قول يحيى، وانه انما دعاه ليقتله، فأفاض عليه ماء ودعا بمسك وكافور فتحنط بهما ولبس بردة فوق ثيابه و أقبل إلى الرشيد، فلما وقعت عليه عينه وشم رائحة الكافور، ورأى البردة عليه قال:
يا جعفر ما هذا؟ فقال: يا أمير المؤمنين، قد علمت أنه قد سعي بي عندك، فلما جاءني رسولك في هذه الساعة لم آمن أن يكون قد فرغ إلى قلبك ما يقول علي فأرسلت إلى لتقتلني. قال: كلا، ولكن قد خبرت أنك تبعث إلى موسى بن جعفر من كل ما يصير إليك بخمسه، وأنك قد فعلت ذلك في العشرين ألف دينار، فأحببت أن أعلم ذلك فقال جعفر:
الله أكبر يا أمير المؤمنين، تأمر بعض خدمك يذهب فيأتيك بها بخواتيمها.
فقال الرشيد لخادم له: خذ خاتم جعفر وانطلق به حتى تأتيني بهذا المال، وسمى جعفر له جاريته التي عندها المال، فدفعت إليه البدر بخواتيمها، فأتى بها الرشيد

1 - يخطب عليه: ينشئ الخطب: أي ينسب إليه التهم الكبيرة التي من شأنها أن تجر عليه المحنة والكارثة.
2 - مت: توسل.
(٢١٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 208 209 210 211 212 213 214 215 216 217 218 ... » »»