حركة المدينة.. إذ كيف يساهم الامام في معركة لم يبذل قادتها جهدا في معرفة الإمام الشرعي ، والوقوف إلى جانبه؟
فلذلك تنحى عن الفتنة وابتعد عن شررها المتطاير، فكان فيه الإبقاء على كيان الإمامة، ومن انضوى إلى بيته من آل عبد مناف زهاء أربعمئة ما بين رجل وامرأة و صبي، وعدد كبير من أهل المدينة، فقام (ع) بما يحتاجون إليه إلى أن ارتحل الجيش الفاتك (1).
والدافع الخامس: حيث أن الإمام السجاد (ع) هو الإمام الشرعي للأمة، وأن اشتراكه في الحركة قد يؤدي إلى قتله، مما يؤدي ذلك إلى فراغ قيادي وسياسي، إذ أن ابنه محمد بن علي الباقر (ع) بعد لم يتجاوز الخمس سنوات، فقتله - إذن - سوف يترك فراغا قد يمتد إلى بضع سنين، وهذا معناه انحسار الغطاء المبدئي عن الأمة، وسقطوها في قبضة التيارات الفكرية، والشهوات الدنيوية، ونزاعات طواغيت الزمان. لذلك كله لم يشترك الإمام السجاد (ع) في حركة المدينة: حرصا على منصب الإمامة الذي هو حصن الأمة، و بالتالي حرصا على كل الأمة الإسلامية.
والدافع السادس: لما مات الحسن بن علي (ع) تحركت الشيعة بالعراق، وكتبوا إلى الحسين بن علي (ع) في خلع معاوية والبيعة له، فامتنع عليهم وذكر أن بينه وبين معاوية عهدا وعقدا ولا يجوز له نقضه حتى تمضي المدة، فإذا مات معاوية نظر في ذلك (2).
صحيح أن مثل يزيد بن معاوية الذي اشتهر بفساده وكفره، لا معنى للوفاء بالبيعة له إذ لا يستحقها، فكيف يحسن الوفاء له، إلا أن الخروج على الحاكم الظالم الفاسق له شروط أهمها:.
أن لا يؤدي ذلك الخروج إلى خسائر هي أهم من فوت حق الإمام الشرعي، فلو كان الأمر كذلك فإن الامام يختار موقفا سياسيا آخر غير موقف الحرب، وهذا الموقف ليس إقرارا بسلطان الظالم، وليس قبولا بأفعاله، إنما هو من باب دفع أكبر الضررين.
والدافع السابع: رغم أن قادة الحركة من الأشخاص الورعين أمثال عبد الله بن حنظلة، إلا أن ثمة خيوط زبيرية تواجدت في الحركة أمثال المنذر بن الزبير، الذي ذهب إلى الشام مع الوفد ثم رجع إلى الكوفة، وتكلم على يزيد ثم ذهب إلى المدينة، واشترك مع الوفد في القدح بيزيد وأفعاله.
ومن الواضح أن المنذر هو أخو عبد الله بن الزبير، فليس من المستبعد أن يكون اتفاقا خاصا قد جرى بين الاثنين، لتحريك المدينة لحساب عبد الله بن الزبير، وإضافة إلى اشتراك المنذر بن الزبير في القيادة المباشرة في الحركة، يوجد شخص آخر اشترك في قيادة الحركة، وهو عبد الله بن المطيع العدوي وهو زبيري الهوى، وقد فر من المعركة بعد قدوم مسرف بن عقبة، والتحق بعبد الله بن الزبير في مكة، بعد أن رفض العرض الذي تقدم به النعمان بن بشير، لتسوية الموقف بين قادة الحركة وبين يزيد بن معاوية.
وأما الدافع الثامن: إن أغلب الظن أن نهاية حركة المدينة لو كانت هي الغالبة، فسوف تكون