رجال تركوا بصمات على قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ١٦٢
وأي حرمة له انتهكتم؟! ولقد جئتم بها صلعاء عنقاء (1)، سوداء فقماء، خرقاء شوهاء، كطلاع الأرض (2)، أو ملاء السماء، أفعجبتم أن مطرت السماء دما؟ ولعذاب الآخرة أخزى وأنتم لا تنصرون، فلا يستخفنكم المهل، فإنه لا يحفزه البدار (3)، ولا يخاف فوت الثار، وإن ربكم لبالمرصاد.
قال الراوي: فوالله لقد رأيت الناس يومئذ حيارى يبكون، وقد وضعوا أيديهم في أفواههم، ورأيت شيخا واقفا إلى جنبي يبكي حتى اخضلت لحيته بالدموع، وهو يقول:
بأبي أنتم وأمي، كهولكم خير الكهول، وشبابكم خير الشباب، ونساؤكم خير النساء، و نسلكم خير النسل، لا يخزى ولا يبزى (4).
وكان حذلم بن كثير من فصحاء العرب، قد أخذه العجب من فصاحة زينب وبلاغتها، و أخذته الدهشة من براعتها وشجاعتها الأدبية، حتى أنه لم يتمكن أن يشبهها إلا بأبيها سيد البلغاء والفصحاء، فقال: كأنها تفرغ عن لسان أمير المؤمنين.
وهذه الخطبة رواها كل من كتب في وقعة الطف أو في أحوال الحسين عليه السلام.
ورواها الجاحظ في كتاب (البيان والتبيين) عن خزيمة الأسدي قال: ورأيت نساء الكوفة يومئذ قياما يندبن متهتكات الجيوب.
ورواها أيضا أبو الفضل أحمد بن أبي طاهر طيفور في (بلاغات النساء)، وأبو المؤيد الموفق بن أحمد الخوارزمي في (الجزء الثاني من كتابه مقتل الحسين عليه السلام)، و شيخ الطائفة في

1 - الصلعاء: الداهية، وما بعدها صفات لها في القبح والشدة.
2 - طلاع الأرض: ملؤها.
3 - الحفز: الحث والإعجال.
4 - لا يبزى أي: لا يغلب ولا يقهر، وقد فهم من قولها: أفعجبتم أن مطرت السماء دما، أن القوم لما رأوا قطرات الدم النازلة من السماء يوم قتل الحسين عليه السلام كانوا يتعجبون من ذلك، ولم يلتفتوا إلى فعلتهم الشنعاء.
ففي كامل الزيارة عن حكيم بن داود بن حكيم، عن سلمة بن الخطاب، عن محمد بن أبي عمير، عن الحسين بن عيسى، عن أسلم بن القاسم، قال: أخبرنا عمرو بن وهب، عن أبيه، عن علي بن الحسين عليه السلام قال: إن السماء لم تبك منذ وضعت إلا على يحيى بن زكريا والحسين بن علي عليهم السلام، قلت: أي شئ كان بكاؤها؟ قال: كانت إذا استقبلت بثوب وقع على الثوب شبه أثر البراغيث من الدم.
وفي ينابيع المودة عن أبي سعيد الخدري: ما رفع حجر في الدنيا إلا وجد تحته دم عبيط ، ولقد أمطرت السماء دما، وبقي أثره في الثياب حتى تقطعت.
وفي ينابيع المودة، عن أبي سعيد الخدري: ما رفع حجر في الدنيا الا وجد تحته دم عبيط، ولقد أمطرت السماء دما وبقى أثره في الثياب حتى تقطعت.
وقال فيه: أخرج الثعلبي وأبو نعيم: أنه أمطرت السماء دما، وزاد أبو نعيم:
فأصبحنا وحبابنا وجرارنا مملوءة دما.
قال: وفي رواية: أن السماء أمطرت الدم على البيوت والجدران بخراسان والشام والعراق.
(١٦٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 157 158 159 160 161 162 163 164 165 166 167 ... » »»