إذن نرى أن الإمام السجاد (ع) لم يبايع ابن الزبير، وذلك للأسباب التالية:
أولا: الذي يظهر أن الهاشميين قد قرروا مقاطعة عبد الله بن الزبير، حيث رفض كل من محمد بن الحنفية، وعبد الله بن عباس البيعة له، فكان خروجهما إلى الطائف فمات ابن عباس فيها (1)، وكان ابن عباس قد أرسل ابنه إلى الشام ليطلب الأمن من عبد الملك بن مروان.
صحيح أنه ليست ثمة ملازمة بين عدم بيعة كل من محمد بن الحنفية وعبد الله بن العباس لابن الزبير، وبين عدم بيعة الإمام السجاد (ع) له، إلا أنه من البعيد جدا أن لا يبايع الاثنان لابن الزبير، ويبايعه الإمام السجاد (ع) مع معرفته بعداوته لأهل البيت، ومع خوفه من فتنته كما أشارت إليه الرواية السابقة.
ثانيا: إن الإمام السجاد (ع) قد تنكب طريق السياسة بمعنى السعي نحو السلطة، وآثر أن يمارس إمامته ضمن اتجاهات أخرى، كتعميق مفهوم الإمامة، وتحصين الأمة من الاتجاهات الدنيوية المنحرفة، وتربية القواعد الموالية للامام من أهل البيت، وهذه مسؤوليات لا تقل أهمية عن مسؤولية تولي السلطة، ولهذا فمن البعيد أن يبايع ابن الزبير، وخصوصا أن ضغوط ابن الزبير على المدينة أقل بكثير من ضغوطه على مكة.
ثالثا: اضطراب الأحوال السياسية في العالم الاسلامي، حيث كان يلي السلطة في الشام عبد الملك، وفي مكة ابن الزبير، وقد انفجر صراع عنيف وطويل بينهما إلى أن استطاع الحجاج القضاء على ابن الزبير عام (73 ه)، وهذا القلق السياسي يسمح للإمام السجاد (ع) بعدم البيعة لأحد من الطرفين المتنازعين بذريعة الفتنة، وعدم اجتماع الأمة على شخص، وطالما تعذر الآخرون بمثل هذا الاعتذار لعدم البيعة لأحد.
رابعا: لو كان الإمام السجاد (ع) قد بايع ابن الزبير، سواء في مكة، أو في المدينة لظهر ذلك وأشيع بين الناس، ولسجلته كتب التاريخ والروايات، مع الحرص على إثبات هذه البيعة من قبل جبهة ابن الزبير، وحيث لم يصل شئ من ذلك: فلهذا ينمو احتمال عدم بيعة الإمام السجاد (ع) له.
موقف الإمام السجاد (ع) من حركة المدينة:.
في هذا الفصل نتناول موقف الإمام السجاد (ع) من حركة المدينة ضمن أمرين:.
الأمر الأول: حول بواعث الحركة.
ما هي بواعث حركة المدينة التي انفجرت في وجه الحكم اليزيدي عام 63 ه؟.
يمكن ذكر أهم بواعث الثورة كما يلي:.
أولا: الآثار التي تركتها فاجعة كربلاء على أهل المدينة، وعلى عموم العالم الاسلامي، فإن أهل المدينة يعرفون الإمام الحسين (ع) حق المعرفة، ويكنون له احتراما عميقا حتى من قبل الأشخاص الذين يرون أنفسهم منافسين له، فقد قال له عبد الله بن الزبير لما عزم (ع)