رجال تركوا بصمات على قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ١٦١
شهرتها بما أظهرت يوم كربلاء وبعده من حجة وقوة وجرأة وبلاغة، حتى ضرب بها المثل، وشهد لها المؤرخون والكتاب.
وأخيرا قال العلامة السيد جعفر آل بحر العلوم في تحفة العالم المطبوع بالنجف: زينب الكبرى زوجة عبد الله بن جعفر، تكنى أم الحسن، ويكفي في جلالة قدرها ونبالة شأنها ما ورد في بعض الأخبار من أنها دخلت على الحسين (ع)، وكان يقرأ القرآن، فوضع القرآن على الأرض وقام لها إجلالا.
خطبتها (ع) في أهل الكوفة.
تواترت الروايات عن العلماء وأرباب الحديث بأسانيدهم عن حذلم بن كثير قال: قدمت الكوفة في المحرم سنة إحدى وستين عند منصرف علي بن الحسين عليهما السلام من كربلاء، ومعهم الأجناد يحيطون بهم، وقد خرج الناس للنظر إليهم، فلما أقبل بهم على الجمال بغير وطاء، وجعلن نساء الكوفة يبكين وينشدن، فسمعت علي بن الحسين عليهما السلام يقول بصوت ضئيل: - وقد نهكته العلة، وفي عنقه الجامعة، ويده مغلولة إلى عنقه -: إن هؤلاء النسوة يبكين، فمن قتلنا؟!.
قال: ورأيت زينب بنت علي عليه السلام ولم أر خفرة أنطق منها، كأنها تفرغ عن لسان أمير المؤمنين عليه السلام، قال: وقد أومأت إلى الناس أن اسكتوا، فارتدت الأنفاس و سكنت الأصوات.
فقالت: الحمد لله، والصلاة على محمد وآله الطيبين الأخيار، أما بعد يا أهل الكوفة، يا أهل الختل (1) والغدر، أتبكون؟! فلا رقأت الدمعة، ولا هدأت الرنة، إنما مثلكم كمثل التي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا (2)، تتخذون أيمانكم دخلا بينكم (3)، ألا وهل فيكم إلا الصلف (4) النطف (5)، والكذب الشنف (6)، وملق الإماء، وغمز الأعداء؟! أو كمرعى على دمنة (7)، أو كفضة على ملحودة، ألا ساء ما قدمت لكم أنفسكم أن سخط الله عليكم وفي العذاب أنتم خالدون، أتبكون وتنتحبون؟! إي والله فابكوا كثيرا واضحكوا قليلا، فلقد ذهبتم بعارها وشنارها، ولن ترحضوها بغسل بعدها أبدا، وأنى ترحضون قتل سليل خاتم النبوة، ومعدن الرسالة، وسيد شباب أهل الجنة، وملاذ خيرتكم، ومفزع نازلتكم، ومنار حجتكم، ومدره سنتكم؟ ألا ساء ما تزرون، وبعدا لكم وسحقا، فلقد خاب السعي، وتبت الأيدي، وخسرت الصفقة، وبؤتم بغضب من الله، وضربت عليكم الذلة والمسكنة، ويلكم يا أهل الكوفة، أتدرون أي كبد لرسول الله فريتم؟ وأي كريمة له أبرزتم؟ وأي دم له سفكتم؟

1 - الختل بالتحريك: الغدر والخديعة، أو أقبح الغدر.
2 - أي: لا تكونوا كالتي غزلت ثم نقضت غزلها، يقال: كانت امرأة حمقاء تغزل مع جواريها إلى انتصاف النهار، ثم تأمرهن أن ينقضن ما غزلن، ولا يزال ذلك دأبها.
3 - أي: خيانة ومكرا.
4 - الصلف: الادعاء تكبرا.
5 - النطف: التلطخ بالعيب.
6 - الشنف بالتحريك: البغض والتنكر.
7 - الدمنة: ما تدمنه الإبل والغنم بأبوالها وأبعارها.
(١٦١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 156 157 158 159 160 161 162 163 164 165 166 ... » »»