رجال تركوا بصمات على قسمات التاريخ - السيد لطيف القزويني - الصفحة ١٥٥
على المضي إلى الكوفة:
أما أنك لو أقمت بالحجاز ثم أردت هذا الأمر ههنا لما خالفنا عليك وساعدناك، و بايعناك ونصحنا لك (1).
ففاجعة الطف أخذت تتفاعل في الساحة حتى مزقت الأغطية الشرعية التي كان يزيد يتستر بها، وكشفت مقدار انحرافه عن الاسلام، وشرعه القويم.
ثانيا: التهتك الأخلاقي، والمجون الجنسي الذي تميز به يزيد بن معاوية، والذي أخذ ينتشر في صفوف المجتمع بدون رادع، فقد أرسل عثمان بن محمد بن أبي سفيان وفدا من المدينة إلى يزيد، وفيهم عبد الله بن حنظلة غسيل الملائكة، فلما رجعوا قالوا:.
قدمنا من عند رجل ليس له دين، يشرب الخمر ويضرب بالطنابير ويعزف عنده القيان، و يلعب بالكلاب، ويسمر عنده الحراب (وهم اللصوص)، وإنا نشهدكم أنا قد خلعناه.
وقال عبد الله بن حنظلة: جئتكم من عند رجل لو لم أجد إلا بني هؤلاء لجاهدته بهم (2).
ويقول:.
والله ما خرجنا على يزيد حتى خفنا أن نرمي بالحجارة من السماء، إنه رجل ينكح أمهات الأولاد، والبنات والأخوات، ويشرب الخمر ويدع الصلاة (3).
هذه أهم بواعث الحركة، التي أدت بأهل المدينة إلى خلع يزيد بن معاوية ومبايعة عبد الله بن حنظلة، تبعا للنفر الذي وفد إلى الشام (4).
وقد طرد أهل المدينة عامل يزيد عليها، والأمويين الذين يقطنونها، وكان عددهم زهاء ألف رجل (5)، وهكذا تطورت الأحداث، فبعث يزيد بن معاوية جيشا كثيفا إلى المدينة بقيادة مسلم بن عقبة، الذي أسرف بدماء المسلمين ونواميسهم، بعد القضاء على تلك الحركة.
الأمر الثاني: موقف الإمام السجاد (ع) من حركة المدينة:.
تشير الروايات الواردة في أحوال الإمام السجاد (ع) أثناء ثورة المدينة عام 63 ه‍، أنه اعتزل المدينة، والسؤال هو: لماذا اتخذ الامام هذا الموقف مع أن قادة الحركة، وخصوصا عبد الله بن حنظلة من المعروفين بالورع والعبادة؟.
توجد عدة وجوه يمكن تفسير موقف الإمام السجاد (ع) في ضوئها: وقبل بيان ذلك ينبغي أن نشير إلى حقيقة مهمة وهي:.
إن الإمام (ع) ليس واجبا عليه أن يشارك في كل عمل ثوري ضد السلطة، فمثلا لم يشترك الإمام علي بن أبي طالب في الثورة ضد عثمان بن عفان، بل بعث ولديه الحسن والحسين (ع) لإيصال الماء إليه. وقد حاول الإمام (ع) إصلاح الأمر بين الثوار وبين الخليفة، و لم يفلح في ذلك.

١ - الكامل في التاريخ ج ٤ ص ٣٨.
٢ - الكامل في التاريخ ج ٤ ص ١٠٣.
3 - تاريخ الخلفاء ص 209.
4 - راجع الطبري ج 7 ص 4.
5 - الطبري ج 7 ص 5.
(١٥٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 150 151 152 153 154 155 156 157 158 159 160 ... » »»