الخوارج والشيعة - دكتر عبد الرحمن البدوي - الصفحة ١٤٦
الوقت زعيما للسبئية فيستنتج من هذا أن السبئية والموالي كانوا شيئا واحدا تقريبا (ص 623 س 14 ص 651 س 2). واعتمادا على هذا الاستنتاج مضى البعض فزعم أن التشيع كمذهب ديني إيراني الأصل لان غالبية موالي الكوفة كانوا إيرانيين. قال دوزي (في كتابه المذكور آنفا ص 220 وما يليها: (كانت الشيعة في حقيقتها فرقة فارسية وفيها يظهر أجلى ما يظهر ذلك الفارق بين الجنس العربي الذي يحب الحرية وبين الجنس الفارسي الذي اعتاد الخضوع كالعبيد. لقد كان مبدأ انتخاب خليفة للنبي أمرا غير معهود ولا مفهوم لأنهم لم يعرفوا غير مبدأ الوراثة في الحكم لهذا اعتقدوا أنه ما دام محمد لم يترك ولدا يرثه فإن عليا هو الذي كان يجب أن يخلفه وأن الخلافة يجب أن تكون وراثية في آل علي. ومن هنا فإن جميع الخلفاء - ما عدا عليا - كانوا في نظرهم مغتصبين للحكم لا تجب لهم طاعة. وقوي هذا الاعتقاد عندهم كراهيتهم للحكومة وللسيطرة العربية فكانوا في الوقت نفسه يلقون بأنظارهم النهمة إلى ثروات سادتهم. وهم قد اعتادوا أيضا أن يروا في ملوكهم أحفادا منحدرين من أصلاب الآلهة الدنيا فنقلوا هذا التوقير الوثني إلى علي وذريته. فالطاعة المطلقة (للامام) الذي من نسل علي - كانت في نظرهم الواجب الاعلى حتى إذا ما أدى المرء هذا الواجب. استطاع بعد ذلك بغير لائمة ضمير أن يفسر سائر الواجبات والتكاليف تفسيرا رمزيا وأن يجاوزها ويتعداها لقد كان (الامام) عندهم هو كل شئ.
أما أن آراء الشيعة كانت تلائم الإيرانيين - فهذا أمر لا سبيل إلى الشك فيه أما كون هذه الآراء قد انبعثت من الإيرانيين فليست تلك الملاءمة دليلا عليه بل الروايات التاريخية تقول بعكس ذلك إذ تقول أن التشيع الواضح الصريح كان قائما أولا في الدوائر العربية ثم انتقل بعد ذلك إلى الموالي وجمع بين هؤلاء وبين تلك الدوائر وأولئك الذين كانوا يتواثبون حول الكرسي المقدس يذكرون أهم (السبئية) (ص 703 س 17 ص 704 س 11) ولم يكونوا من الموالي بل من العرب إذ كانوا من عشائر: نهد وخارف وثور وشاكر وشبام (1) وهؤلاء

(1) يشهد على ذلك شهادة قاطعة لا يمكن الطعن فيها - أبيات لشاعر عاصر هذه الاحداث هو أعشى همدان (الطبري ص 704 وما يليها).
(١٤٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 141 142 143 144 145 146 147 148 149 150 151 ... » »»
الفهرست