الخوارج والشيعة - دكتر عبد الرحمن البدوي - الصفحة ١٠٢
سبعون شاهدا وقد اعتذر بعضهم فيما بعد عن توقيعه كما انكر البعض الآخر أنه وقع (1) وتنصل القاضي شريح بن هانئ الحارثي من التوقيع (وكان يقول: ما شهدت ولقد بلغني أن قد كتبت شهادتي). ثم أعطيت صيغة الاتهام للشرطيين اللذين سيأخذان المسجونين إلى معاوية في الشام. وذات مساء (2) سار هذا الموكب الحزين ولما انتهوا إلى جبانة عرزم نظر قبيصة بن ضبيعة العبسي إلى داره فإذا بناته مشرفات فقال للشرطيين: إئذنا لي فأوصي أهلي فأذنا له فأوصاهن بالصبر.
ولم يتقدم أحد لتخليص هؤلاء المساجين. رغم سهولة هذا الامر فكان خوف القبائل هذا من سلطان زياد ممثلا في شرطيين أشد وقعا عليهم من خطر الموت فقالوا: إن هذا هو نهاية شعبهم. وتوقف الجميع في موضع قبل دمشق يدعى مرج عذراء (وبينها وبين دمشق اثنا عشر ميلا) فبقي المسجونين هناك موثقين بالقيود.
وتسلم معاوية كتاب اتهامهم فصدق ما فيه ولم يصدق ما قاله حجر وكلف رسلا تبليغه لمعاوية. على أنه سأل زيادا عن حقيقة الامر فتأكد لديه ما قاله زياد في كتاب الاتهام. وأمر معاوية بإخلاء سبيل بعضا منهم ولكنه رفض شفاعة مالك بن هبيرة السكوني في حجر بن عدي. على أنه شاء مع ذلك أن يعفو عنه وعن الباقين بشرط أن يبرأوا من علي فقبل أن يفعل ذلك منهم اثنان فنجوا بحياتهما وإن كانا بعد ذلك قد نقضا تبرؤهما من علي أما الستة الباقون فقتلوا وقد أرعدت فرائص حجر حينما أبصر الكفن معدا والقبر قد حفر والسيف قد أشهر ولكنه ثبت مع ذلك على موقفه وجاء مالك بن هبيرة بعد فوات الاجل. ذلك أنه قد غضب لان معاوية لم يستجب لشفاعته في حجر فجاء مع جماعة من كندة وسكون إلى مرج عذراء ليخلص المسجونين بالقوة ولكنهم كانوا قد قتلوا. ولكن غضبه على الخليفة (معاوية) زال لما أن أرسل إليه هذا بمائة ألف درهم وقال للرسول أن يذكر له أن قتل حجر وفر على معاوية القيام بحملة ثانية ضد العراق - بعد الحملة الأولى في عهد علي وبعد وفاة علي - وذلك أن حجرا كان سيثير الفتنة في العراق. وكفن المقتولون وصلى عليهم ودفنوا كأشراف المسلمين (3).

(1) لم يكن التوقيع بأيدي الشهود أو على الأقل بأيدي جميع الشهود.
(2) غالبا ما تذكر أوقات النهار دون بيان تواريخ الأيام.
(3) راجع أبيات عبد الله بن خليفة التي أوردها الطبري (2 / 148 - 154) ومنها يبدو أنه يشير إلى أن عدد الذين قتلوا كانوا ثمانية ولعل السبب في ذلك أن الاثنين الذين تبرأ من علي قد أدخلا في الحساب وكان معاوية قد أبقى عليهما على أنهما قد قتلا أيضا فيما بعد.
(١٠٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 97 98 99 100 101 102 103 105 106 107 108 ... » »»
الفهرست