بني الانسان ميثاقا يقضي على ذلك الحق الإلهي. ولهذا اهتزت الأرض تحت قدميه وقضى على الخلافة. أما أولئك الذين بقوا على ولائهم له فقد ألهوا شخصه وحسبوا أن الامر ليس أمر الله بل أمر علي كما حسب أهل الشام أن الامر أمر معاوية. فلم يكن الأساس الذي يستندون إليه أساسا آخر غير الأساس الذي استند إليه أهل الشام ولا أشد منه وثوقا فلما انتظروا كلمة التحكيم تخلوا عن اعتقادهم الديني السياسي الثابت الاعتقاد الضروري لكل مسلم في أمر الخلافة ومن هنا بدأوا يخجلون من مقتل عثمان إذ أعوزهم اليقين الإلهي في هذا الامر ومن هنا أيضا لم يعودوا يستطعون أن يقرروا عزل أهل الشام عن الأمة الاسلامية واتجهت أنظارهم شيئا فشيئا نحو علي وشيعته فحسبوا أن الحق لم يكن إلا علة تعلل بها والواقع أنه ما أراد إلا السلطان وكان الوضع على هذا منذ البداية ولم يصر ذلك فيما بعد فحسب.
فالخوارج إذن كانوا حزبا ثوريا صريحا. كما يدل على ذلك اسمهم أجل كانوا حزبا ثوريا يعتصم بالتقوى. لم ينشأوا عن عصبية العروبة. بل عن الاسلام وكانوا ينظرون إلى صفاء التقوى الاسلامية وهم القراء. كما ينظر (المتحمسون اليهود إلى الفريسيين (1) - هذا من الناحية الشكلية. أما من الناحية الموضوعية فثمت فارق آخر وهو أن (المتحمسين) (2) كانوا يكافحون من أجل الوطن القومي بينما الخوارج كانوا يجاهدون في سبيل الله وحده.
* الخوارج... والخلاف مع عثمان وعلي:
التقوى في الاسلام ذات اتجاه سياسي عام والامر كذلك إلى أعلى درجة لدى الخوارج. فالله عز وجل يطالب المؤمنين ألا يسكتوا إذا رأوا منكرا على الأرض. فهم لا يقصرون على أنفسهم فعل الخير وترك الشر بل عليهم أيضا أن يعملوا حتى يكون