العراق الذين انضم أغلبهم إلى علي وحاربوا في صفه - نقول إن فريقا يبلغ قرابة أربعمائة قد تخلفوا عن القتال وبقوا في أماكنهم امتثالا لموقف عبد الله بن مسعود القارئ الصحابي الشهير الذي كان رأيه في هذه المسألة كرأي أبي موسى الأشعري (الدينوري) (ص / 175) وكان القراء على صلة وثيقة بالفقهاء وكان وضعهم بالنسبة إلى هؤلاء الأخيرين شبيها بنسبة دائرة كبرى إلى دائرة داخلها أصغر منها.
ولم يكن نشاطهم الرئيسي نظريا وعلميا (الطبري) (ص / 564 س 16 وما يليه).
فالقرآن - الذي منه اسمهم: القراء - لم يكن في نظرهم موضع دراسة نظرية بل من أجل العمل والتقوى. وآيات القرآن تتلى دعاء وصلوات في المساجد والمنازل على السواء. والقراء يمكن أن يسموا أيضا (المصلين). وكان القرآن على لسانهم يحفظون أجزاءا منه عن ظهر قلب ويتلونه بحرارة جهرا وسرا نهارا وليلا وكانوا يلقبون بلقب ذوي الجباه المعفرة بسبب ما يتبين (في وجوههم من أثر السجود) (الفتح: 29). ولكنهم لم يكونوا متعبدين منقطعين يحتفظون بتقواهم لأنفسهم بل كانوا يعملون بإيمانهم عن طريق التوجيه وإسداء المشورة في الأمور العامة كما تقضي بذلك طبيعة الخلافة الاسلامية. وكانوا يعاشرون الجماهير ويؤثرون فيهم. فلما قامت الثورة على عثمان وانتشرت في الكوفة كانت لهم الكلمة العليا ولما قتل عثمان وقعت التهمة عليهم وعلى أقدم الصحابة الاحياء.
وشاركوا في الحرب شأنهم شأن المسلمين الصالحين وكانوا يخطبون في الناس قبل المعارك ليثيروا حميتهم ويستنفرهم للقتال وإذا لم يكونوا رجال أفعال في المرتبة الأولى فقد كانوا يعلمون أيضا أن خير الايمان الجهاد بالسيف في سبيل إعلاء كلمة الله (1) (الطبري) (2 / 1086) وفي معركة (اليمامة) كان أبرز المقاتلين هم القراء الذين يحفظون القرآن عن ظهر قلب ويتلونه فهؤلاء الأتقياء من أهل المدينة