الخوارج والشيعة - دكتر عبد الرحمن البدوي - الصفحة ٢٩
فإن أشار المرء بعد هذا أن يزعم أن السبئية كانوا قتلة عثمان الحقيقيين وكانوا لهذا السبب التربة المشتركة التي نبت فيها الشيعة والخوارج على السواء فقد بقي أن يفسر لماذا بقي هذا الاسم: (السبئية) علما على غلاة الشيعة وحدهم فيما بعد.
وسيكون معنى هذا إذن أيضا أن الخوارج قد صاروا خوارج بعد خروجهم على السبئية وانفصالهم عنها وهذا يردنا كذلك إلى القول بأن بدء الخوارج كان في صفين ويجب أن يفسر من الاحداث التي جرت في صفين. مع العلم أن الحركة ضد عثمان لم تصدر عن السبئية وأنه لم تكن لها الأهمية التي ينسبها إليها سيف بن عمر ولكني لم أرد استخدام هذه الحجة حتى لا أقطع المناقشة في الصلة بينهم وبين الخوارج.
لم يكن الخوارج بذرة فاسدة بذرها اليهودي ابن سبأ سرا بل كانوا نبتة إسلامية حقيقية. وكانوا جادين في مسألة الخلافة ولم يأتوا فيها بأمر غريب أو مستنكر. ولم يكونوا فرقة صغيرة مغمورة في الظلام بل كانوا ظاهرين علنا على أساس واسع كأوسع ما يكون الأساس أعني على أساس الرأي العام الذي ساد معسكر أهل العراق في صفين. وكانوا في البدء يتألفون من أعداد عديدة بعيدة عن التحديد الدقيق. ثم جرى فيهم مد وجزر متفاوتان فلم يكن معروفا بالدقة من الذي ينتسب إليهم وكان من المدهش أن الأشعث ليس منهم. ونشأتهم تختلف اختلافا جوهريا عن نشأة جماعة مثل العباسيين أو الفاطميين. لم يكونوا يلجأون إلى المؤامرات ولا إلى تكوين الشعب المنتشرة في مختلف المواطن ولم يسيطر على شؤونهم تنظيم سري معقد. إنما كانت لهم مبادئ مبادئ ليس فيها ما يغري بالانضمام إليها جرت إليهم الأنصار - دون أن يسعوا هم إليهم ولو أن أولئك الذين برزت أعمالهم كانوا فيما بعد قليلين جدا. وكان أنصارهم يتجددون باستمرار. فإن اندلعت النار في مكان شبت مثلها من جديد في مكان آخر دون أن يكون ثمت اتصال ظاهر فيما بينهما (1). وكان التوتر قائما في كل مكان وعلى أهبة الانفجار وهذا يدل على مدى صدوره عن طبيعة الاسلام والخلافة.

(1) ومن هنا مذهب (الفترات) التي ينخسف فيها الايمان (الأغاني) (20 / 98).
(٢٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 24 25 26 27 28 29 31 32 33 34 35 ... » »»
الفهرست