والاجتماعية لإنجاز عملية التقدم العقلي والمادي والاجتماعي في الحياة في صيغة تضمن التوازن بين النمو الروحي - الأخلاقي والنمو المادي. وهذه الصيغة التي توازن بين اتجاهي النمو والنشاط الإنساني هي الدين.
وهذه هي وظيفة النبوة كما تفهم من القرآن الكريم والسنة الشريفة.
فالنبي يخرج الناس من الظلمات إلى النور في عقائدهم وعلاقاتهم الاجتماعية والسياسية، ويصحح نظرتهم إلى موقعهم في الكون، ومن ثم يوجد الإنسان الصالح الذي يسعى نحو التكامل فيحقق لنفسه التقدم المتوازن في الشكل والمضمون، في الروح والمادة.
وليس النبي مخترعا كبيرا ومخططا عظيما يبدع الآلات والمؤسسات، وليست النبوة مركزا للأبحاث والدراسات وما إلى ذلك.
إن الذي يخترع الآلات وينشئ المؤسسات ويبتكر الخطط هو عقل الإنسان بعد أن تتوفر له دواعي النمو والانطلاق. فإذا تآخت معها قيم الروح والأخلاق حقق الإنسان إنجازات مادية وتنظيمية تتفق مع مقتضيات الإيمان، وتوفر للإنسان حياة سعيدة طيبة، ورضوان الله والنجاة في الآخرة. وإذا لم تتآخ قيم الروح والأخلاق مع دواعي النمو والانطلاق في التعامل مع الكون المادي حقق الإنسان إنجازات مادية وتنظيمية توفر له القوة واللذة والرخاء دون أن توفر له السعادة وطيب بالحياة.
* وفهمنا لوظيفة النبوة - كما تعكسها نصوص نهج البلاغة - مستفاد من النصوص التي تحدث فيها الإمام عن حالة العالم عشية بعثة النبي محمد (ص)، ذلك لأن النصوص التي تؤرخ للنبوات السابقة لنبوة محمد (ص) نادرة من جهة، وتشبه، من جهة أخرى، أن تكون في معظمها مجرد إشارات يغلب عليها طابع الإجمال.
ولكن هذا لا يؤثر شيئا على سلامة فهمنا لوظيفة النبوة، فإنها وظيفة واحدة منذ بداية حركة النبوات في فجر التاريخ الإنساني إلى ختام النبوات بنبوة محمد (ص) ورسالة الإسلام. ولا توجد اختلافات جوهرية بين النبوات من حيث وظيفتها