ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه، وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم، فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم 1.
كان الناس أمة واحدة... كان إنسان ما قبل التاريخ، ما قبل النبوات يحيا في وحدة فطرية قائمة على أساس وحدة المصالح ووحدة الدم من جهة، وعلى عامل سلبي من جهة أخرى هو عدم وجود ما يهدد حالة السكون والخمود التي تميز هذه الحياة نظرا لبساطة الحاجات وتوفر ما يلبيها ويشبعها في الطبيعة دون حاجة إلى مغالبة وصراع.
ولكن حركة الحياة النامية المتصاعدة، وتزايد عدد أفراد النوع، وتفاوت القدرات العقلية والجسمية... كل ذلك وما يشبهه من عوامل الانقسام والتعقيد أدى إلى نشوء خلافات داخل الجماعة البشرية النامية، ومغالبة وصراع بين أفرادها وفئاتها... وربما كان من مظاهر ذلك أو أول مظهر من مظاهر ذلك خلفيات الجريمة الأولى بين ابني آدم حيث قتل أحدهما أخاه، وقد قص الله تعالى نبأهما في القرآن الكريم 2، وترددنا في أن هذه الجريمة هي من مظاهر ذلك أو أنها أول مظهر من مظاهر ذلك ناشئ من وجود احتمال أن آدم القرآني لا يمثل بداية الجنس البشري على الأرض، وإنما يمثل بداية النسل البشري الموجود الآن، ويكون، على هذا، قد وجد نسل سابق على النسل الموجود الآن من بداية يمثلها آدم سابق على آدم القرآني، والله تعالى أعلم وعلى هذا تكون آية سورة البقرة (213) موضوع البحث تؤرخ لفترة من عمر البشرية سابقة على الفترة التي بدأت بآدم القرآني.
وعلى أي حال، ففي هذه المرحلة من نمو الإنسان لم تعد وحدة الدم كافية لتكوين وحدة المجتمع، ولم تعد ثمة مصالح واحدة أو متفقة، ولم تعد النفس الإنسانية عذراء، ساذجة، بدائية... ويستحيل على النوع الإنساني في أن ينمو - كما أراد الله في أوضاع كهذه تقوده فيها غرائزه فقط، ولا مرجح له في خصوماته ومراعاته إلا غرائزه... في هذه