النبيلة، وإذن فهو لا يزال فكر هذه المئات من الملايين من البشر، وإنما لا يحركها أو لا تتحرك وفقا لمناهجه بسبب وجود الموانع الخارجية القاهرة والمعوقات الشالة لحركة المسلمين من خلال إسلامهم، وهي قوى الحضارة المادية التي استعمرت بلاد المسلمين وأقصت الإسلام عن مركز القيادة وحلت محله في هذا المركز.
وإذن، فالإسلام ليس تراثا ميتا نختلف على إحيائه وعدم إحيائه أو إحياء بعضه مما يتلاءم مع عصرنا كما يقولون... إنه فكر حي وما يدعوننا إليه هو إماتة هذا الفكر الحي لإحلال فكر آخر غريب محله هو فكر الحضارة المادية.
وقد أفلحت قوى الحضارة المادية لا في إماتة الإسلام فهو لا يزال حيا كما قلنا، ولكن في فرض نفسها على حياة المسلمين الذين يحملون في قلوبهم وعقولهم إسلاما حيا قادرا على التحريك ولكنه ممنوع عن التحريك وليس عاجزا عنه.
واستمرار مفكرينا المتأثرين بهذه الحضارة المادية في جهودهم لفرضها على واقع حياة المسلمين وعزل الإسلام عن هذه الحياة لن يؤدي إلى (إماتة الإسلام) كما لن يؤدي إلى تحرير المسلم أو العربي، وإنما يؤدي إلى مزيد من التمزق الداخلي والأزمات الحضارية لإنسان ينقسم على نفسه، موزع الذات بين ضرورات حياته اليومية وبين قناعاته العقلية والنفسية والأخلاقية والعاطفية. وهذا ما يؤدي - كما أدى بالفعل في العالم الإسلامي كله ومنه العالم العربي - إلى فقدان الفعالية والإيجابية في مواجهة تحديات الحياة، ويؤدي من ثم إلى مزيد من التخلف والعجز عن مجاراة حركة التقدم لدى الأمم الأخرى وهكذا يسئ هؤلاء المفكرون من حيث يحسبون أنهم يحسنون صنعا، فبدلا من إتاحة الفرصة أمام الإنسان العربي للتغلب على مصاعبه وعوامل تخلصه يضيف هؤلاء المفكرون سببا آخر للتخلف يزيد الأمر سوءا لأنه يقدم تحت شعار التقدم، وهكذا يكون حال الإنسان العربي في هذه الحالة حالة القط الذي يلحس المبرد الذي يغري لسانه وينزف دمه وهو يحسب أنه يغذي نفسه بالمبرد الذي يغريه في حقيقة الحال.
*