لنا والحال هذه أن نعتبره (فكرنا) أنه (تراثنا) مبعث فخر لنا، موضوع حبنا وتقديرنا، ولكنه لا يصلح لأن يشكل حياتنا، ويكون موضوع عملنا الذي نبني عليه مناهجنا ونستمد منه قيمنا.
والمفكرون العرب المحدثون المعنيون بقضايا النهضة العربية كثيرا ما يستعملون في التعبير عن الإسلام أو عن هذا الجانب أو ذاك من جوانب الفكر الإسلامي كلمة (تراث) 1 ذاهبين إلى أن هذا (التراث الإسلامي) ليس شأن عصرنا وليس شأن الإنسان العربي في هذا العصر، وإنما هو شأن السلف وقد ورثناه عنهم، ومن المؤكد أنه ليس من الصالح ولا من الراجح أن نأخذه كله لنتمثله في حياتنا مناهج وتشريعات وقيما لأنه معطل معوق لنمو هذه الحياة المعاصرة وازدهارها، ولكن هل ننبذه كله فلا نعني بشئ منه، ونحفظه كأثر من آثار تاريخنا، أو نخضعه لمقياس انتقائي نأخذ بموجبه من هذا (التراث) ما يتفق مع حياتنا الحاضرة والفكر المعاصر وننبذ من هذا (التراث) ما لا يتوافق مع هذا (الفكر المعاصر) أو يخالفه.
ولكن هؤلاء المفكرين على خطأ فادح في هذه المسألة الهامة، بل المصيرية لا بالنسبة إلى العرب وحدهم، بل بالنسبة إلى المسلمين جميعا.
إن الإسلام لا يزال حتى الآن فكر المسلمين، والعرب منهم، وسيبقى فكر المسلمين جميعا. ولم يبلغ الإسلام في قلوب وعقول المسلمين درجة من الضمور والتقلص أو الاندثار والنسيان بحيث يكون تراثا يحتاج إلى إحياء كالذي حدث في أوروبا في عصر النهضة بالنسبة إلى التراث اليوناني - الروماني.
إن الإسلام لا يزال حيا مملوءا بالحياة في قلوب وعقول المسلمين، ولا يزال قادرا على تحريك مئات الملايين من المسلمين في جميع أنحاء العالم نحو أهدافه العظيمة