التاريخ وحركة التقدم البشري ونظرة الإسلام - الشيخ محمد مهدي شمس الدين - الصفحة ٦٥
بالطابع الخاص للماركسية، بل لقد طمح المنظرون السوفيات إلى طبع النظريات العلمية التي تفسر بها المادة بالطابع الخاص للماركسية: هذا في العصر الحديث.
وقد كانت المسيحية في القرون الوسطى وما قبلها بالنسبة إلى أوربا على هذه الشاكلة.. كما كانت الكونغو شيوعية بالنسبة إلى الصين.. والهندوسية بالنسبة إلى الهند، والزردشتية بالنسبة إلى إيران، والإسلام بالنسبة إلى العالم الإسلامي منذ ظهور الإسلام وإلى يومنا هذا..
ولكل فكر بؤرة يرتد إليها كل شئ باعتبارها مقياسا للصدى والأصالة والاستقامة، وينطلق منها كل شئ باعتبارها الذخر الأكبر للأصول الأساس في التكوين الثقافي للأمة.
مثلا: كتاب رأس المال للماركسية والشيوعية، والإنجيل والتوراة للمسيحية، والبهاجافاد - جيتا للهندوسية، والقرآن للإسلام. والآوستا للزردشية.. وهكذا يكون لكل فكر مركز أساس يتضمن الخطوط الكبرى والمبادئ المركزية لذلك الفكر.
هذا هو الفكر في المفهوم الحضاري.
* أما التراث في المفهوم الحضاري فهو مجرد ثقافة ومعرفة نظرية لا تبلغ في أكثر الأحيان ومعظم الحالات أن تبلغ مستوى كونها فكرا بالمعنى الذي شرحناه آنفا، ولنقل: التراث فكر ميت.
إن التراث لا يدخل في صلب ثقافة الأمة التي تغذي عقلها العملي وفعاليتها وحركيتها في مجرى التاريخ، ولا يقوم وجودها، ولا ينير طريق حياتها، ولا يميزها عن غيرها من الأمم، وبالإجمال: كل ما هو دور إيجابي للفكر في الأمة منفي عن التراث. إن التراث شئ من بقايا الآباء والأجداد، كان صالحا لحياتهم فهو يمثل هذه الحياة الماضية وأساليبها وألوانها، ولكنه لا يصلح للحياة الحاضرة، أو لا يصلح أكثره للحياة الحاضرة، وإذا احتفظنا به ودرسناه وأقمنا له المؤسسات فليس لأجل أن نقيم عليه حياتنا ونقوم به شخصيتنا كأمة، وإنما ذلك لما تربطنا به من صلات عاطفية، أو لأنه
(٦٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 57 61 62 63 64 65 66 67 68 69 71 ... » »»