.. واصطفى سبحانه... أنبياء أخذ على الوحي ميثاقهم، وعلى تبليغ الرسالة أمانتهم، لما بدل أكثر خلقه عهد الله إليهم، فجهلوا حقه، واتخذوا الأنداد معه، واجتالتهم 1 الشياطين عن معرفته، واقتطعتهم عن عبادته، فبعث فيهم رسله، وواتر 2 إليهم أنبياءه،... ولم يخل الله سبحانه خلقه من نبي مرسل أو كتاب منزل، أو حجة لازمة أو محجة 3 قائمة: رسل لا تقصر بهم قلة عددهم، ولا كثرة المكذبين لهم من سابق سمي له من بعده، أو غابر عرفه من قبله، على ذلك نسلت القرون، ومضت الدهور، وسلفت الآباء، وخلفت الأبناء 4.
وهكذا يعبر الإمام عن جوانب من أفق الآية الكريمة، فحين تعقدت الحياة البشرية نتيجة لنمو المجتمع وتشابك العلاقات فيه، وحين أدى ذلك إلى تصادم بين ما تقضي به الحياة الاجتماعية من تعاون وما تدفع إليه الغريزة والروح الفردية من استئثار. وحين ترافق هذا مع الإنحراف عن مقتضيات الفطرة المستقيمة العذراء - وإن تكن في ذلك الحين ساذجة - في إدراك الخالق سبحانه وتعالى... حين حدث في حياة الإنسانية كل هذا اقتضى لطف الله ورحمته إرسال الأنبياء ليضيئوا عقول الناس، ويرتفعوا بالمجتمع من علاقات المادة - البيولوجيا - إلى علاقات المعنى والقانون.
* وقد تواترت حركة النبوات في تاريخ البشرية: تضئ عقولها، وتصوغ مفاهيمها، تغني حياتها، وتضعها رويدا رويدا على طريق التكامل... تواترت هذه الحركة في خط تصاعدي نحو الأكمل والأفضل والأجمل، مستجيبة في كل مرحلة من مراحل التاريخ البشري لحاجات تلك المرحلة، باذرة فيها بذور نمو آخر في المستقبل يهيئ لمرحلة من التقدم والتكامل جديدة.. إلى أن بلغت حركة النبوات ذروتها في الرسالة الخاتمة الجامعة: رسالة الإسلام على لسان خاتم النبيين محمد صلى الله عليه وآله وسلم.