التاريخ وحركة التقدم البشري ونظرة الإسلام - الشيخ محمد مهدي شمس الدين - الصفحة ٦٤
قد يكون الأمر فيه هكذا، وقد يكون - في نظر الوارث - شيئا يحسن أن يقتنى ويستعمل ولكن فقده لا يغير شيئا من وضع الحياة الحاضرة ولا يدخل نقصا هاما فيها. وقد يكون في نظر الوارث ذا قيمة عاطفية محضة لا يؤثر فقده أبدا. وقد يكون في نظر الوارث عبأ على الحياة ومعوقا لنموها ومانعا من ازدهارها، ولذا فهو يسعى إلى نبذه والتخلص منه والبراءة من آثاره.
هذا تحليل لمفهوم التراث أو الميراث في اللغة العربية - بمعناه العام لا بمعناه الاصطلاحي الفقهي الخاص.
وقد استعملت كلمة التراث في اللغة العربية في العصور الأخيرة على ألسنة الباحثين والأدباء والمفكرين للدلالة على آثار الفكر الإسلامي في السنة وعلومها، والفقه وأصول الفقه، والتاريخ، والأدب، والفلسفة: وما إلى ذلك من الآثار الفكرية التي خلفها المسلمون باللغة العربية.
ذاك هو الفكر، وهذا هو التراث.
* والفكر، في المفهوم الحضاري - إذن هو المعلومات والشرائع والمناهج والقيم التي تقوم شخصية الأمة الثقافية والحضارية، وتعطيها سمتها المميزة لها عن الأمم الأخرى، ويرسم لها دورها في حركة التاريخ.
إن هذه المعلومات والشرائع والمناهج والقيم تشكل عقل الأمة وروحها وضميرها. وهي تنظر إلى الكون والحياة والإنسان والأمم الأخرى من خلال هذه المعلومات والشرائع والمناهج والقيم، وتواجه مشاكلها ومسائل حياتها على ضوء الحلول والمواقف التي يحميها هذا الفكر. وإنتاجها العقلي النظري كله يكون مطبوعا بطابع هذا الفكر، محتويا روحه، ومستهديا بالنور الذي يشعه...
مثلا: الماركسية هي فكر العالم الشيوعي. فهي تشكل عقل شعوبه وروحها وضميرها، وهي تميز هذه الشعوب عن العالم الرأسمالي بالسمات التي تطبع بها طريقة الحياة لدى هذه الشعوب. كما إن النتاج الثقافي النظري لهذه الشعوب مرسوم
(٦٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 56 57 61 62 63 64 65 66 67 68 69 ... » »»