التاريخ وحركة التقدم البشري ونظرة الإسلام - الشيخ محمد مهدي شمس الدين - الصفحة ٦٦
يمثل حلقة هامة في تاريخ نمونا، إن له قيمة عاطفية وقيمة أكاديمية (نظرية)، وليست له قيمة عملية، أو إن أكثره كذلك. ونحن ندرسه، ونحققه وننشره، ونحفظه لنعرف كيف كنا لا لنعرف كيف نكون؟ ولنرى صورتنا القديمة لا لنرسم صورتنا الحاضرة أو لنرى كيف تكون صورتنا المستقبلة. إن التراث، في أحسن الحالات، شئ من أشياء القلب والعاطفة، وليس من أشياء العقل والعمل.
هذا هو التراث في المفهوم الحضاري.
* وهنا أود أن أثير مسألة شديدة الخطورة وذات أهمية بالغة جدا بالنسبة إلينا نحن المسلمين في هذا العصر، وهي أن الكثرة الساحقة من المسلمين المتعلمين والمثقفين على مناهج الغرب وأساليبه ينظرون إلى الإسلام - بما هو ثقافة ونظام وحضارة - ويتعاملون معه على أنه تراث، أي فكر ميت، لا على أنه فكر.
أما الكثرة الساحقة من المسلمين فهم بحمد الله ونعمته لا يزالون يتعاملون مع الإسلام على أنه فكرهم (لا تراثهم) وهم يحرصون ما وسعهم الحرص على أن يقيموا حياتهم على هدى أحكامه وقيمه، وإن كان علينا أن نعترف أن الحياة الحديثة كثيرا ما تضطر الكثير منهم إلى تجاوز أحكام الإسلام، أو تغريهم بتجاوزها، لأنها حياة قائمة على غير الإسلام، وتستمد مفاهيمها الفكرية، وقيمها الأخلاقية، ومقاييسها الجمالية، وأفكارها العملية من غير الإسلام. ولكن هذه الكثرة الساحقة من المسلمين لا تزال تعتبر الإسلام - كما قلنا - (فكرها) وإن تجاوزته اضطرارا أو تهاونا في الكثير أو القليل من شؤون حياتها. إنه عقيدتها، وشريعتها، وقيمها.
ونعود، بعد هذا الاستطراد، إلى شرح موقف المسلمين الذين يتعاملون مع الإسلام على أنه تراث لا فكر.
هم يرون أن الإسلام - لا بما هو عقيدة - وإنما بما هو شريعة وقيم، فكر عصر مضى، وأنه بالنسبة إلى عصرنا هذا - حيث تشكل حياتنا الحضارة الحديثة، ومناهجها في التشريع، وقيمها - مجرد تراث، يمثل مرحلة سابقة في نمونا تجاوزها تطور التاريخ، فليس
(٦٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 61 62 63 64 65 66 67 68 69 71 72 ... » »»