... ثم إنكم معشر العرب أغراض بلايا قد اقتربت، فاتقوا سكرات النعمة واحذروا بوائق النقمة 1، وتثبتوا في قتام العشوة 2 واعوجاج الفتنة عند طلوع جنينها، وظهور كمينها، وانتصاب قطبها ومدار رحاها.
تبدأ في مدارج خفية، وتؤول إلى فظاعة جلية. شبابها كشباب الغلام 3، وآثارها كآثار السلام 4 يتوارثها الظلمة بالعهود، أولهم قائد لآخرهم، وآخرهم مقتد بأولهم. يتنافسون في دنيا دنية، ويتكالبون على جيفة مريحة 5. وعن قليل يتبرأ التابع من المتبوع، والقائد من المقود، فيتزايلون بالبغضاء 6 ويتلاعنون عند اللقاء 7.
في هذا النص صور الإمام آلية حركة الفتنة، ونموها وانتشارها في المجتمع، فأبرز الملامح التالية:
1 - إن شيوع روح الترف في المجتمع، واستغراق النخبة في الترف يؤديان بالمجتمع إلى أن يفقد روحه النضالية الرسالية، ويحرص على حياته الهينة الناعمة، وعلى توفير الوسائل الملائمة لبلوغ مستوى من الحياة أكثر نعومة ولينا.
كما أن النخبة في هذه الحالة تصاب بالترهل والعجز والجبن.
وشيوع هذه الروح، روح الترف، في مجتمع لا يزال في مرحلة تكوين نفسه، ومحاط بالقوى المضادة الخائفة، ويحتوي تركيبه الداخلي على نقاط ضعف ناشئة من كونه يضم جماعات لم تتمثل بعد بدرجة مرضية وعميقة رسالته التي يعتنقها ويبشر بها... - شيوع هذه الروح في مجتمع كهذا - وهو ما كأنه المجتمع الإسلامي في ذلك الحين - يجعله مهيأ لنمو روح الفتنة فيه وانتشارها.
لقد حذر الإمام من هذا بقوله: (احذروا سكرات النعمة...).