وهكذا نرى الإمام يطلب إلى هؤلاء المتعجلين أن يلزموا جانب التروي، وأن يتركوا له اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب، وألا يخضعوا لمنطق الفعل ورد الفعل لأن هذا يؤدي إلى التباس في المفاهيم، وتخبط في المواقف، وأخطاء في القرارات تجعل المناخ العام أكثر ملاءمة لروح الفتنة. وقد أشار الإمام إلى ذلك بقوله:
وتثبتوا في قتام العشوة....
3 - حين يتهيأ المناخ الملائم نتيجة للعاملين الآنفي الذكر تبدأ الفتنة بظواهر انحرافية بسيطة وهينة، يقابلها المجتمع بوجه عام، ونخبته السياسية والفكرية بوجه خاص، بالتسامح واللامبالاة، وهذا ما يوفر لهذه الظواهر الانحرافية مناخ الأمان وفرص الاتساع والنمو. وهذا ما عبر عنه الإمام بقوله: تبدأ في مدارج خفية، وتؤول إلى فظاعة جلية.
4 - وعلى خلاف وضع الفتنة حين تبدأ خفية حية، تلوذ وراء المبررات وتغطي نفسها بشعارات خادعة، فإنها حين تنمو وتتسع وتؤول إلى فظاعة جلية يكون لها عنفوان وتسلط وبطش، وتبدأ بطبع آثارها العميقة في بنية المجتمع، وهذا ما عبر عنه الإمام بقوله: شبابها كشباب الغلام، وآثارها كآثار السلام.
5 - بعد انتشار الفتنة، واتساع المساحات التي تستوعبها من فئات المجتمع، تكون قناعات تجعلها أشد رسوخا في الذهنية العامة، وتغدو ثقافة شائعة ترتكز إليها السلطة التي تقود حركة الفتنة، وتوجه المجتمع وفقا لقوانينها، وهذا ما عبر عنه الإمام بقوله: يتوارثها الظلمة بالعهود، أولهم قائد لآخرهم، وآخرهم مقتد بأولهم....
6 - ولكن الوضع السياسي لقادة الفتنة - بعد انتشارها، وتأصلها في بنية المجتمع - لا يبقى موحدا ومتلاحما، وإنما تبرز التناقضات والسمات الشخصية لكل فئة، والمطامع والمخاوف الخاصة بكل جماعة. وحينئذ تنقسم قيادة الفتنة إلى فئات متخاصمة متناحرة، وتجر المجتمع وراءها إلى التخاصم والتناحر والحروب الأهلية، وهذا ما عبر عنه الإمام بقوله:... وعن قليل يتبرأ التابع من المتبوع، والقائد من المقود، فيتزايلون بالبغضاء، ويتلاعنون عند اللقاء.
*