التاريخ وحركة التقدم البشري ونظرة الإسلام - الشيخ محمد مهدي شمس الدين - الصفحة ١٥٤
سير حركة النبوة، وهي، والحال هذه، ليست من صنع الله تعالى، وإنما هي من صنع البشر.
* قسم الإمام الفتنة إلى قسمين:
أحدهما: الفتنة بالمعنى القرآني التربوي، واعتبر أن الفتنة بهذا المعنى ذات دور إيجابي، بشرط أن تكون استجابة الإنسان لها بروح إيماني ملتزم، ووعي أخلاقي مسؤول، ولذا فلا معنى للاستعاذة بالله من الفتنة بهذا المعنى فإن ذلك سخف، لأنها تلازم طبيعة الحياة ووجود الإنسان، فلا توجد حياة مكتملة دون أن توجد معها فتنة بهذا المعنى.
وثانيهما: الفتنة باعتبارها ظاهرة سياسية، وهذه هي الفتنة التي يحذر منها ويستعاذ منها، وهي التي أعطاها الإمام في تعليمه الفكري مدلولاتها السياسية - التاريخية.
وسماها (مضلات الفتن).
وقد شرح الإمام ذلك بقوله:
لا يقولن أحدكم: اللهم إني أعوذ بك من الفتنة، لأنه ليس أحد إلا وهو مشتمل على فتنة، ولكن من استعاذ فليستعذ من مضلات الفتن، فإن الله سبحانه يقول: (واعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة) ومعنى ذلك أنه سبحانه يختبر عباده بالأموال والأولاد ليتبين الساخط لرزقه والراضي بقسمه، وإن كان سبحانه أعلم بهم من أنفسهم، ولكن لتظهر الأفعال التي بها يستحق الثواب والعقاب، لأن بعضهم يحب الذكور وبكره الإناث، وبعضهم يحب تثمير المال ويكره انثلام الحال 1.
* وليس من أهداف هذه الدراسة البحث عن الفتنة باعتبارها مصطلحا تربويا، وإنما الهدف منها هو البحث عن الفتنة باعتبارها مصطلحا سياسيا - تاريخيا، فلنر فيما يأتي تقسيم الإمام لها باعتبارها ظاهرة سياسية، وتحليله لآلية حركتها: كيف تبدأ

(1) نهج البلاغة - باب الحكم - رقم النص: 93.
(١٥٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 148 149 150 151 153 154 155 156 157 158 159 ... » »»