الإسلام يتحدى - وحيد الدين خان - الصفحة ١١٥
هذه الكتب لا تشير إلى أية محاولة جرؤ صاحبها على النيل من أمانته وصدقه. بل يسجل التاريخ انه: ليس بمكة أحد عنده شئ يخشى عليه الا وضعه عنده، لما يعلم من صدقه وأمانته (1).
وفي السنة الثالثة عشرة من النبوة، صمم بعض شبان قريش على قتله، وحاصروا بيته لاغتياله، وفي تلك الساعة الخطرة الحرجة قرر الهجرة إلى يثرب، ولكنه أوصى ابن عمه (عليا) أن يرد جميع الأمانات إلى أصحابها في الصباح!.
وهذا النضر بن الحارث، وقد كان من أكبر المعارضين للنبي، وكان يعد من الخبراء المحنكين بمكة؟ وقف يوما، فألقى خطبة في جمع من قريش، وقال:
يا معشر قريش، انه، والله قد نزل بكم أمر ما أتيتم له بحيلة بعد، قد كان محمد فيكم غلاما حدثا، أرضاكم فيكم، وأصدقكم حديثا، وأعظمكم أمانة، حتى إذا رأيتم في صدغيه الشيب، وجاءكم بما جاءكم به قلتم: ساحر، لا والله، ما هو بساحر، لقد رأينا السحرة ونفثهم وعقدهم. وقلتم: كاهن، لا والله، ما هو بكاهن، قد رأينا الكهنة وتخالجهم، وسمعنا سجعهم. وقلتم: شاعر، لا والله، ما هو بشاعر، قد رأينا الشعر، وسمعنا أصنافه كلها، هزجه ورجزه. وقلتم: مجنون، لا والله، ما هو بمجنون، لقد رأينا الجنون، فما هو بخنقه، ولا وسوسته، ولا تخليطه. يا معشر قريش، فانظروا في شأنكم، فإنه، والله، لقد نزل بكم أمر عظيم.
وكان هذا النضر من شياطين قريش، وممن كان يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وينصب له العداوة (2).
وكان أبو لهب عم النبي من ألد أعدائه، وقال له ذات مرة: يا محمد، انني لا أقول: انك كاذب.، ولكن الأمر الذي تقوم بتبليغه باطل (3).
* * * ان نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، كانت عامة لسائر أهل الأرض، غير مقصورة على الجزيرة العربية، ولذلك أرسل كتابات إلى ملوك البلاد القريبة، وقد تلقى إمبراطور الروم هرقل كتابا من الرسول، يدعوه إلى اعتناق الدين الجديد، فأمر رجاله باحضار رجل من قوم الرسول في ديوانه (4). وكان بعض التجار من قريش يقومون برحلة تجارية في بلاد.

(1) سيرة ابن هشام ج 2، ص 98.
(2) المرجع السابق 1 / 319.
(3) الترمذي.
(4) كان قيصر الروم هرقل حينئذ في بيت المقدس يشكر الله لغلبته على الفرس، وقد تلقى هذا الكتاب هناك.
(١١٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 110 111 112 113 114 115 116 117 118 119 120 ... » »»