الإسلام يتحدى - وحيد الدين خان - الصفحة ١١٨
هذه الحروب زهاء عشر سنين، وقد سقطت في معاركها أسنانه الكريمة، وكسرت رباعيته، كما استشهد عدد كبير من صحابته، وعانى مع أصحابه كل ما تعانيه الشعوب الضعيفة بعد اعلان الحرب عليها.
وهكذا دارت رحى التاريخ خلال ثلاثة وعشرين عاما من الكفاح، وقبيل نهاية رسالته بعامين فتحت مكة، ويومها وقف أمامه ألد خصومه، لا يجدون نصيرا ولا معينا.. فهم يعرفون كيف يعامل المنتصر المغلوبين، ولكن الذي لقبه ربه بأنه رحمة للعالمين سألهم:
؟ يا معشر قريش، ما تظنون أني فاعل بكم؟.
؟ فقالوا: خيرا، أخ كريم، وابن أخ كريم.
؟ فأعلنها الرسول صلى الله عليه وسلم.
اذهبوا فأنتم الطلقاء!.
ذلك، ولا شك، أعظم مثل للرحمة والعفو، وهو معجزة من معجزات التاريخ الانساني. ولو كان هذا الحدث من أحداث ما قبل التاريخ، أو لم يكن مسلما به تاريخيا، لكذبه المكذبون الذين في قلوبهم زيغ، وقالوا: أنها أسطورة من أساطير التاريخ، فلم يخلق انسان بهذه الشيم!.
وما أصدق ما قاله البروفسور بورسورث سميث:
عندما ألقى نظرة اجمالية استعرض فيها صفاته وبطولاته ما كان منها في بدء نبوئه، وما حدث منها فيما بعد، وعندما أرى أصحابه الذين نفخ فيهم روح الحياة، وكم من البطولات المعجزة أحدثوا؟ أجده أقدس الناس، وأعلاهم مرتبة، حتى أن الانسانية لم تعرف له مثيلا (1).
ان المثل الأعلى الذي ضربه النبي في حياته الكاملة، من الأخلاق العالية، والزهد في الأموال والملذات، شئ لا مثيل له في التاريخ.
لقد كان تاجرا ناجحا في مكة، وكانت زوجه السيدة خديجة من أثرى نساء العرب، ولكن كل تجارته، وثراء زوجته، ذهبا في سبيل الدعوة، ثم ابتلى ببلاء شديد، حتى أنه قال مرة:
لقد أخفت في الله، وما يخاف أحد (أي مثل ما أخفت)، ولقد أوذيت في الله، وما يؤذى أحد، ولقد أتت علي ثلاثون من بين ليلة ويوم، ومالي ولبلال طعام يأكله ذو كبد، الا شئ يواريه إبط بلال (2).

(1) Mohammad & Mohammanism, p. 340.
(2) الترمذي عن أنس رضي الله عنه.
(١١٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 113 114 115 116 117 118 119 120 121 122 123 ... » »»