الإسلام يتحدى - وحيد الدين خان - الصفحة ١٢٠
ومما تحكى السيدة عائشة انه كان يمر الهلال، ثم الهلال، ثم الهلال ثلاثة أهلة في شهرين، وما توقد في أبيات الرسول صلى الله عليه وسلم نار، فسألها عروة بن الزبير:
فما كانت معيشتكم، يا خالة؟ قالت: الأسودان: التمر والماء. وقالت: وكان لنا جيران من الأنصار لهم ربائب يسقوننا من لبنها، جزاهم الله خيرا.. وقد جاء في حديث آخر: أنها ذكرت أن آل محمد لم يشبعوا ثلاثة أيام متوالية من طعام بر، حتى مضى النبي صلى الله عليه وسلم، لسبيله (1).
* * * لقد عاش النبي هذه الحياة القاسية، رغم كونه قادرا، كل القدرة، على أن يعيش حياة النعيم والترف. وعندما انتقل إلى رحمة الله لم يورث أهله شيئا، لا دراهم ولا دنانير، ولا غنما ولا إبلا، حتى أنه لم يكتب أية وصية. بل إن النبي العظيم، الذي كان على معرفة تامة بأن حدود دولته الاسلامية سوف تمتد عابرة إفريقية وآسيا، حتى تصل إلى قلب أوربا؟ قال: نحن معاشر الأنبياء، لا نورث، ما تركنا صدقة.
* * * ان هذه الوقائع التي أوردناها، من الايثار، والاخلاص، وسمو الأخلاق، ليست حوادث استثنائية في حياة الرسول، وانما هي حياته بأكملها، بل هي بالأحرى، صورة مصغرة وموجزة عن الوقائع التي كانت تحدث في حياته المثالية، لقد ارتفع بالإنسانية إلى اسمى قمة تحلم بها، حتى أنه لو لم يوجد، لاضطر المؤرخون إلى القول: بأنه لم يوجد انسان من هذا الطراز، ولن يوجد في التاريخ.
* * * فليس غريبا، مطلقا، أن يقال: إنه كان نبي الله، ولكن الغريب أن ينكره أحد منا عنادا وغرورا.
ونحن عندما نسلم بدعواه يمكننا أن نفسر حياته المعجزة.
أما إذا أنكرنا نبوته، فسنفقد أي أساس لتفسير منبع أوصافه العجيبة، التي لم نجد لها مثيلا في التاريخ.. وقد اعترف البروفسور بوسورث سميث بهذه الحقائق، حتى أنه ليدعو البشرية كلها إلى الايمان برسالة النبي:
لقد ادعى محمد لنفسه في آخر حياته نفس ما ادعاه في بداية رسالته. واني لأجدني مدفوعا.

(1) الطبقات الكبرى لابن سعد 1 / 400 وما بعدها.
(١٢٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 115 116 117 118 119 120 121 122 123 124 125 ... » »»