الإسلام يتحدى - وحيد الدين خان - الصفحة ١١٩
وما عانى النبي كل هذا الا لأجل دعوته، لقد كان من الممكن أن يعيش حياة أخرى، تختلف كل الاختلاف عن الحياة البائسة التي عاشها في سبيل رسالته، ولقد عرضت عليه، حين كان بمكة، عروض مغرية تكفل له العيش الرخي، والمجد السني، فأوفد اليه رؤساء قريش عتبة بن ربيعة، الذي جاء ليقول له:
يا ابن أخي، انك منا، حيث قد علمت من البسطة في العشيرة، والمكان في النسب، وانك قد أتيت قومك بأمر عظيم، فرقت به جماعتهم، فاسمع مني، أعرض عليك أمورا، تنظر فيها، لعلك تقبل منها بعضها. فقال له: قل يا أبا الوليد أسمع، قال: يا ابن أخي: ان كنت انما تريد، بما جئت به من هذا الامر، مالا، جمعنا لك من أموالنا، حتى تكون أكثرنا مالا، وإن كنت تريد به شرفا، سودناك علينا، حتى لانقطع أمر دونك، وإن كنت تريد به ملكا، ملكناك علينا: وان كان هذا الذي يأتيك رئيا تراه لا تستطيع رده عن نفسك، طلبنا لك الطب، وبذلنا فيه أموالنا حتى نبرئك منه، فإنه ربما غلب التابع على الرجل حتى يداوى منه. حتى إذا فرغ عتبة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يستمع منه قال:
أقد فرغت يا أبا الوليد؟، قال نعم، قال:
فاستمع مني، فقال: أفعل... فقرأ عليه الآيات الأولى من سورة (فصلت)، فلما وصل إلى قوله تعالى: (مثل صاعقة عاد وثمود) أمسك عتبة على فيه، وأنشده الرحم ان يكف (1).
* * * وفي المدينة المنورة، كان النبي صلى الله عليه وسلم رئيسا لدولة المسلمين، وكان يتمتع بمساعدين مثاليين، يبذلون حياتهم لأجله، ولم يعرف لهم نظراء على مدى التاريخ، ولكن الوقائع التاريخية أثبتت أنه؟ حتى في أخر أيام حياته، حين أظلت رايته الجزيرة العربية كلها؟ بقي رجلا عاديا، غير ملتفت إلى شهوات الدنيا ومغرياتها، حتى لحق بالرفيق الأعلى.
وقد روى سيدنا عمر بن الخطاب أنه دخل حجرة النبي صلى الله عليه وسلم: فإذا هو مضطجع على رمال حصير، ليس بينه وبينه فراش، قد أثر الرمل بجنبه، متكئا على وسادة حشوها ليف.. قلت: يا رسول الله أدع الله، فليوسع على أمتك، فان فارس والروم قد وسع عليهم، وهم لا يعبدون الله. فقال: أو في هذا أنت، يا ابن الخطاب؟ أولئك عجلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا، وفي رواية، أما ترضى عن أن تكون لهم الدنيا، ولنا الآخرة (2).

(1) سيرة ابن هشام 1 /؟ 313 314.
(2) متفق عليه.
(١١٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 114 115 116 117 118 119 120 121 122 123 124 ... » »»