الإسلام يتحدى - وحيد الدين خان - الصفحة ١١٤
مكانه، واستمر الخلاف أربعة أيام أو خمسة، وأوشكت السيوف أن تبرز، وكاد القوم أن يتناحروا، ثم اتفقوا على أن يكون الفيصل في هذه القضية أول من يدخل البيت الحرام صباح غد، واليوم التالي شاهدوا أن الانسان الأول الذي دخل البيت كان محمدا، فنادوه قائلين: هذا الأمين، رضينا (1).
اننا لا نعرف شخصية في التاريخ الانساني تمتعت بهذا الاجلال والتكريم والتقدير، وبهذه السيرة غير العادية، ثم أصبحت موضع نزاع بعد مضي أربعين سنة من عمرها.
* * * وعندما نزل عليه الوحي لأول مرة، وهو في غار حراء، اعتبره حادثا غريبا لم يعهده من قبل، فرجع إلى بيته يرجف فؤاده، وقص كل ما حدث على زوجه: خديجة التي كانت أكبر منه سنا، فقالت: يا أبا القاسم والله لا يخزيك الله أبدا، انك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الدهر.
وكان أبو طالب عم النبي، قد أبى أن يؤمن، ولكنه حين علم أن ابنه عليا أسلم، قال له: أي بني: ما هذا الدين الذي أنت عليه؟ فقال: يا أبت، آمنت بالله، وبرسول الله، صليت معه واتبعته، فقال أبو طالب: أما انه لم يدعك الا إلى خير فألزمه (2).
وعندما جمع الناس لأول مرة بعد النبوة في رحاب جبل الصفا، سألهم: يا بطون قريش!
أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلا بالوادي تريد أن تغير عليكم، أكنتم مصدقي؟ فعلت الأصوات من كل الحناجر، وهي تقول: نعم، ما جربنا عليك كذبا!.
ان هذا السجل التاريخي الممتاز لحياة الرسول قبل اعلان النبوة، ليس له مثيل في العالم، ولم يسبق ان أحرزه مثله أي شاعر، أو فيلسوف، أو مفكر، أو كاتب!!.
* * * وعندما أعلن محمد (صلى الله عليه وسلم) النبوة، لم يكن صدقه موضع شك، أو بحث مطلقا لدى أهل مكة، فإنهم كانوا على علم تام بحياته الكاملة، ولذلك لم يرمه أحد بتهمة الكذب أو الاحتيال، بل ذهبوا يدعون أنه فقد وعيه، أو أنه شاعر أو ساحر، أو أن الجن استولت على أعصابه، وما إلى ذلك من الدعاوى التي تحفل بذكرها الكتب التاريخية، ولكن

(1) صحيح البخاري، باب ما ذكر في الحجر الأسود.
(2) Ideal Prophet, p. 58.، وانظر سيرة ابن هشام 1 / 265.
(١١٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 109 110 111 112 113 114 115 116 117 118 119 ... » »»