الشام، فجيء بهم إلى ديوان القيصر، وسألهم هرقل عمن كان أقربهم نسبا بالرسول، فأجاب أبو سفيان: أنا أقربهم نسبا. ثم جرى حديث تاريخي هام بين هرقل وأبى سفيان، نقتبس هنا منه شيئا:
هرقل: هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟.
أبو سفيان: لا.
هرقل: هل يغدر؟.
أبو سفيان: لا، ونحن منه في مدة لا ندري ما هو فاعل فيها.
فقال هرقل: قد أعرف أنه لم يكن ليذر الكذب على الناس، ويكذب على الله.
وعندما دار هذا الحديث لم يكن أبو سفيان قد آمن بالرسول بعد، بل كان من خصومه، الذين ألبوا عليه العرب، وشنوا ضده الحروب، وقال، وهو يروي هذا الحديث: والله لولا الحياء من أن يأثروا على كذبا لكذبت عنه (1).
ان التاريخ على طوله لم يشهد رجلا أدلى خصومه بآراء مثالية عن سيرته وحياته مثلما أدلى به خصوم رسول الاسلام.
ان هذا الواقع هو الآخر دليل في حد ذاته على حقيقة دعوة النبي العربي. وسوف أنقل هنا ما قاله الدكتور ليتز عن الرسول:
انني لأجرؤ بكل أدب أن أقول: ان الله الذي هو مصدر ينابيع الخير والبركات كلها، لو كان يوحي إلى عباده فدين محمد هو دين الوحي، ولو كانت آيات الايثار، والأمانة، والاعتقاد الراسخ القوي، ووسائل التمييز بين الخير والشر، ودفع الباطل هي الشاهدة على الالهام، فرسالة محمد هي هذا الالهام (2).
* * * لقد عانى محمد (صلى علله عليه وسلم)، من صنوف الأذى، وضروب العنت والاضطهاد عندما بدأ دعوته، وحاربه قومه أشد الحرب وأقسامه، فوضعوا في طريق مروره الأشواك، وصبوا على جسمه الطاهر أكواما من النجاسة.. بل ووجدناه ذات مرة بينما كان يؤدي صلاته، وإذا (عقبة بن أبي معيط) يلببه بردائه بشدة حتى وقع النبي على الأرض...
ولكن هذه الاستفزازات لم تؤثر في مهمة النبي، فاتبعوا معه أسلوبا آخر، وذلك حين قاطعوه هو وعشيرته من بني هاشم، وأجبروهم على أن يعتزلوا الناس، فلجأوا إلى شعب بني