الإسلام يتحدى - وحيد الدين خان - الصفحة ١١٧
هاشم، ومنعوا عنهم الطعام، وحرموا التعامل معهم، ومضى على هذه المقاطعة والحصار التاريخي ثلاث سنين، وهم يأكلون أوراق شجر (الطلح) الجبلية المرة، لسد حاجة البطن إلى الطعام، ويروي أحد الصحابة في هذا الحصار أنه حصل مرة على قطعة جافة من الجلد، فغسله بالماء ووضعه على النار، ثم بلله بالماء ثانية وأكله.
وبعد الخروج من هذا الحصار ذهب النبي صلى الله عليه وسلم إلى أهل الطائف، وكانت تبعد أربعين ميلا عن مكة، وكان يقطنها الأعيان والأثرياء من ثقيف، واستخدم هؤلاء لغة بالغة السوء مع الرسول. وذهب أحدهم يقول متحديا: وهو يمرط (يمزق) ثياب الكعبة، ان كان الله أرسلك، وقال الآخر: أما وجد الله أحدا يرسله غيرك. وقال الثالث:
والله لا أكلمك أبدا، لئن كنت رسولا من الله، كما تقول، لأنت أعظم خطرا من أراد عليك الكلام، ولئن كنت تكذب على الله ما ينبغي لي أن أكلمك.
ولم يكتف هؤلاء بهذا الاستهزاء، بل أغروا به سفهاءهم وعبيدهم، يسبونه ويصيحون به حتى اجتمع عليه الناس يرمونه بالأحجار، إلى أن سقط على صخرة مثخنا بالجراح، وحين جلس ليستريح من الجراح والعنت، رموه حتى نهض مبتعدا عنهم، وهم يتابعونه بالسب والايذاء والتصفيق.. ولم يزل هذا المشهد حتى أقبل المساء، وأوى الرسول إلى حائط لعتبة بن ربيعة، فجلس في ظل كرمة، وهو جريح ملطخ بالدماء. وهذا هو الواقع الذي كان الرسول يذكره للسيدة عائشة في قوله:
لقد لقيت من قومكم ما لقيت، وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة (1).
* * * وعلى الرغم من هذا الأذى الشديد، فقد ظل الرسول يدعو إلى الحق. حتى اجتمعت قريش على أنه لا سبيل إلى التخلص منه الا بالقتل. وبناء على مؤامرة دبروها، أحاط عدد من رؤسائهم وشبيبتهم ببيت الرسول، وفي أيديهم سيوفهم المسلولة، استعدادا لاغتيال الرسول صلى الله عليه وسلم. عندما يخرج من بيته لتأدية صلاة الصبح، ولكنه باذن من الله، خرج من البيت دون ان يصاب بأذى، وهاجر إلى المدينة المنورة.
ثم أعلنت قريش قتالا منظما ضد النبي وأعوانه، وجروه إلى الحرب، وورطوه في

(1) نص هذا الحديث: قالت عائشة: يا رسول الله، هل أتى عليك يوم أشد من يوم أحد؟
فقال: لقد لقيت من قومك، وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة، إذا عرضت نفسي على ابن عبد يا ليل بن عبد كلال فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي، فلم استفق الا بقرن الثعالب. فرفعت رأسي فإذا انا بسحابة قد أظلتني، فنظرت فإذا فيها جبريل، فناداني فقال: ان الله عز وجل قد سمع قول قومك لك، وما ردوا عليك، وقد بعث إليك ملك الجبال... الخ؟ المراجع.
(١١٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 112 113 114 115 116 117 118 119 120 121 122 ... » »»