تاريخ ابن خلدون - ابن خلدون - ج ٢ق٢ - الصفحة ٤٩
مكة عتاب بن أسيد شابا ينيف عمره على عشرين وكان غلبه الورع والزهد فأقام الحج بالمسلمين في سنته وهو أول أمير أقام حج الاسلام وحج المشركون على مشاعرهم (وخلف) بمكة معاذ بن جبل يفقه الناس في الدين ويعلمهم القران (وبعث) بن عمرو العاصي إلى جيفر وعبد ابني الجلندي من الأزد بعمان مصدقا فأطاعوا له بذلك واستعمل صلى الله عليه وسلم مالك بن عوف على من أسلم من قومه ومن سلم منهم وماله حوالي الطائف من ثقيف وأمره بمغادرة الطائف من التضييق عليهم ففعل حتى جاؤوا مسلمين كما يذكر بعد وحسن اسلام المؤلفة قلوبهم ممن أسلم يوم الفتح أو بعده وان كانوا متفاوتين في ذلك (ووفد) على النبي صلى الله عليه وسلم كعب بن زهير فاهدر دمه وضاقت به الأرض وجاء فأسلم وأنشد النبي صلى الله عليه وسلم قصيدته المعروفة بمدحه التي أولها * بانت سعاد فقلبي اليوم متبول الخ وأعطاه بردة في ثواب مدحه فاشتراها معاوية وورثته بعد موته وصار الخلفاء يتوارثونها شعارا (ووفد) في سنة تسع على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة بنو أسد فأسلموا وكان منهم ضرار بن الأزور وقالوا قدمنا يا رسول الله قبل أن يرسل الينا فنزلت يمنون عليك أن أسلموا الآية ووفد فيها وفدتين في شهر ربيع الأول ونزلوا على رويفع بن ثابت البلوى وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة بعد منصرفه من الطائف في ذي الحجة إلى شهر رجب من السنة التاسعة (ثم أمر الناس بالتهيؤ لغزو الروم) وكان في غزواته كثيرا ما يورى بغير الجهة التي يقصدها على طريقة الحرب الا ما كان من هذه الغزاة لعسرها بشدة الحرب وبعد البلاد وفصل الفواكه وقلة الظلال وكثرة العدو الذين يصدون وتجهز الناس على ما في أنفسهم من استثقال ذلك وطفق المنافقون يثبطونهم عن الغزو وكان نفر منهم يجتمعون في بيت بعض اليهود فامر طلحة بن عبيد الله أن يخرب عليهم البيت فخربها واستأذن ابن قيس من بنى سلمة في القعود فأذن له واعرض عنه وتدرب كثير من المسلمين بالانفاق والحملان وكان من أعظمهم في ذلك عثمان بن عفان يقال إنه أنفق فيها ألف دينار وحمل على تسعمائة بعير ومائة فرس وجهز ركابا وجاء بعض المسلمين يستحمل رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يجد ما يحملهم عليه فنزلوا باكين لذلك وحمل بعضهم يامين بن عمير النضري وهما أبو ليلى بن كعب من بنى مازن بن النجار وعبد الله بن المغفل المزني واعتذر المخلفون من الاعراب فعذرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم نهض وخلف على المدينة محمد بن مسلمة وقيل بل سباع بن عرفطة وقيل بل علي بن أبي طالب وخرج معه عبد الله بن أبي ابن سلول في عدد وعدة فلما سار صلى الله عليه وسلم تخلف هو فيمن تخلف من المنافقين ومر صلى الله عليه وسلم على ديار ثمود فأمر أن لا يستعمل ماؤها
(٤٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 ... » »»