ترضاه ليكون ملكهم، ولم يكن في ذلك الوقت أحد من ولد أبيها، ولا من أهل بيته يصلح للملك.
فقلدت الامر إلى ابنة عمها، وملكتها عليهم وهي دليفة (1) مأموم، وكانت جارية عذراء من عقلا النساء وكبرائهن، فأخذت لها المواثيق من أهل مصر وسائر بلادها، أن لا يسلموها لعدو وأن يمنعوا من يتعرض لها، وسلمت إليها مفاتيح خزائنها، وأطلعتها على كنوزها آبائها، وأمرت إذا ماتت أن يضمد جسدها بالكافور، وتحمل إلى المدينة التي بنيت لها في صحراء الغرب، وقد كانت بنت بها ناووسا عجيبا ونقلت إليه أصناما للكواكب وزينته بأحسن الزينة وجعلت له خدمة وسدنة، وأسكنت تلك المدينة جماعة من الكهنة وأصحاب العلوم، وأسكنت بها جيشا يحميها فعمرت تلك المدينة، ولم تزل على حالها من العمارة إلى أن أخرجها بخت نصر وحمل بعض كنوزها.
وجلست دليفة على سرير الملك، واجتمع الناس إليها وتألفت كلمتهم عليها وأحسنت إلى الناس ووضعت عنهم كثيرا من الخراج لتلك السنة.
وقام عليها أيمن صاحب الأندلس يطلب ثار خاله انداحس، واستنصر عليها بملك العمالقة فنصره لمكان انداحس منه.
ووجه معه قائدا بجيش كثيف، وبلغ الامر دليفة، فأخرجت إليه بعض قوادها فالتقوا بموضع يعرف بالعريش، وجعلت سرحة الفريقين يظهرون العجائب العظيمة، ويسمعون الأصوات التي تفزع الاسماع، وتؤلم القلوب، وأقاموا مدة يتواقفون للحرب ثم يتراجعون، فهلك منهم عالم من الناس ثم انهزم أصحاب دليفة إلى منف وأيمن في أثرهم.
ومضت دليفة في جمع من جيشها إلى ناحية الصعيد، فنزلت بأشمون، وأنفذت من قدرت عليه من الجيوش إليهم، فوقعت الحرب معهم بجهات الفيوم.